الأحاديث الضعيفة والصحيحة، وطرق شياطين الإنس والجن لإضلال الناس كثيرة متنوعة، فهذا يضل بمثل حديث عائشة المذكور آنفا، وآخر بمثل الحديث المتقدم اختلاف أمتي رحمة.
من أجل كل ذلك كان هذا التخريج النافع إن شاء الله تعالى.
واعلم أن فن التخريج ليس غاية في نفسه عند المحققين من المحدثين، بحيث يقتصر أمره على أن نقول مخرج الحديث: أخرجه فلان وفلان و. - عن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما يفعله عامة المحدثين قديما وحديثا، بل لا بد أن يضم إلى ذلك بيانه لدرجة كونه ضعيفا، فإنه والحالة هذه لا بد له من أن تتبع طرقه وشواهده لعله يرتقي الحديث بها إلى مرتبة القوة، وهذا ما يعرف في علم الحديث بالحسن لغيره، أو الصحيح لغيره. وهذا في الحقيقة من أصعب أنواع علوم الحديث وأشقها، لأنه يتطلب سعة في الاطلاع على الأحاديث والأسانيد في بطون كتب الحديث مطبوعها ومخطوطها، ومعرفة جيدة بعلل الحديث وتراجم رجاله، أضف إلى ذلك دأبا وجلدا على البحث، فلا جرم أنه تقاعس عن القيام بذلك جماهير المحدثين قديما، والمشتغلين به حديثا وقليل ما هم.
على أنني أرى أنه لا يجوز في هذه الأيام الاقتصار على التخريج دون بيان المرتبة، لما فيه من إيهام عامة القراء الذين يستلزمون من التخريج القوة - أن الحديث ثابت على كل حال. وهذا مما لا يجوز، كما بينته في مقدمة: غاية المرام، فراجعه فإنه هام.
من أجل ذلك فإني قد جريت في هذا التخريج كغيره على بيان مرتبة كل حديث في أول السطر ثم اتبع ذلك بذكر من خرجه، ثم بالكلام على إسناده تصحيحا أو تضعيفا، وهذا إذا لم يكن في مخرجه الشيخان أو أحدهما، وإلا استغنيت بذلك عن الكلام، كما كنت بينته في مقدمتي لتخريج أحاديث شرح العقيدة الطحاوية، ومقدمتي على مختصر مسلم للمنذري. وقد لا يتيسر لي الوقوف على إسناد الحديث، وحينئذ أنقل ما وقفت عليه من تخريج وتحقيق لأهل العلم، أداء للأمانة، وتبرئة للذمة، ولكني في هذه الحالة أبيض للحديث على الغالب، فلا أذكر له مرتبة.
والله - سبحانه وتعالى - أسال أن يسدد خطانا، وأن يحفظ علينا ما به من النعم