للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدها: أن أرذل العمر لا يسمى أسفل سافلين لا في لغة ولا عرف، وإنما أسفل سافلين هو سجِّين الذي هو مكان الفجار، كما أن عليين مكان الأبرار.

الثاني: أن المردودين إلى أسفل العمر بالنسبة إلى نوع الإنسان قليل جدا؛ فأكثرهم يموت ولا يرد إلى أرذل العمر.

الثالث: أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستوون هم وغيرهم في رد من طال عمره منهم إلى أرذل العمر فليس ذلك مختصاً بالكفار حتى يستثني منهم المؤمنين.

الرابع: أن الله سبحانه لما أراد ذلك لم يخصه بالكفار بل جعله لجنس بني آدم فقال: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [النحل: ٧٠]، فجعلهم قسمين: قسماً متوفى قبل الكبر وقسماً مردوداً إلى أرذل العمر، ولم يسمه أسفل سافلين. الخامس: أنه لا تحسن المقابلة بين أرذل العمر وبين جزاء المؤمنين، وهو سبحانه قابَل بين جزاء هؤلاء وجزاء أهل الإيمان، فجعل جزاء الكفار أسفل سافلين وجزاء المؤمنين أجراً غير ممنون.

السادس: أن قول من فسره بأرذل العمر يستلزم خلو الآية عن جزاء الكفار وعاقبة أمرهم، ويستلزم تفسيرها بأمر محسوس، فيكون قد ترك الإخبار عن المقصود الأهم وأخبر عن أمر يعرف بالحس والمشاهدة، وفي ذلك هضم لمعنى الآية وتقصير بها عن المعنى اللائق بها.

السابع: أنه سبحانه ذكر حال الإنسان في مبدئه ومعاده، فمبدؤه خلقه في أحسن تقويم ومعاده رده إلى أسفل سافلين أو إلى أجر غير ممنون، وهذا موافق لطريقة القرآن وعادته في ذكر مبدأ العبد ومعاده، فما لأرذل العمر وهذا المعنى المطلوب المقصود إثباته والاستدلال عليه؟!.

الثامن: أن أرباب القول الأول مضطرون إلى مخالفة الحس، وإخراج الكلام عن ظاهره والتكلف البعيد له، فإنهم إن قالوا إن الذي يرد إلى أرذل العمر هم الكفار دون المؤمنين كابروا الحس، وإن قالوا: إن من النوعين من يرد إلى أرذل العمر احتاجوا إلى التكلف لصحة الاستثناء، فمنهم من قدر ذلك بأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا تبطل أعمالهم إذا ردوا إلى أرذل العمر بل تجري عليهم أعمالهم التي كانوا يعملونها في الصحة، فهذا وإن كان حقاً فإن الاستثناء إنما وقع من الرد، لا من الأجر والعمل، ولما علم أرباب هذا القول ما فيه من التكلف خصَّ بعضهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات بقراءة القرآن خاصة فقالوا:

<<  <   >  >>