للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه السادس: الإفراط في الذنوب.

ومثل له ابن الجوزي بقوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: ٥٣].

واختلف السلف في تحديد المراد بالمسرفين في هذه الآية واتفقوا على أن معناه الإسراف في الذنوب والمعاصي.

ويشهد له حديث عن بن عباس رضي الله عنهما: أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا؛ فأتوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة؛ فنزل: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: ٨٦]، ونزل: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: ٥٣]» (١). وقال به من السلف: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، ومجاهد، وعطاء، وابن زيد، وقتادة، والسُّدي، ومحمد بن كعب القرظي (٢).

ومن المفسرين: ابن جرير، والزَّجَّاج، والنَّحَّاس، والبغوي، والزَّمخشري، وابن عطية، والقرطبي، وأبو حيان، وابن كثير (٣).

ويتبين مما تقدم صحة هذا الوجه في معنى الآية، ومأخذه سبب النزول.

وجائز لجميع الأوجه أن يكون مأخذها التفسير بالمثال؛ قال ابن فارس: «سرف السين والراء والفاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تعدّي الحدّ» (٤)، فالخروج عما يجب، والحرام، والإنفاق في المعصية، وتحريم الحلال، والشرك، والإفراط في الذنوب كلها أمثلة على مجاوزة الحد.


(١) أخرجه البخاري (كتب التفسير، باب {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} [الزمر: ٥٣]، ٤/ ١٨١١، برقم ٤٥٣٢).
(٢) جامع البيان ٢٤/ ٢٠.
(٣) جامع البيان ٢٤/ ٢٠. معاني القرآن وإعرابه ٤/ ٣٥٧. معاني القرآن للنحاس ٦/ ١٨٤. معالم التنزيل ١١٢٩. الكشاف ٤/ ١٣٨. المحرر الوجيز ٤/ ٥٣٦. الجامع لأحكام القرآن ١٥/ ١٧٤. البحر المحيط ٩/ ٢١١. تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٥/ ٤١٥.
(٤) مقاييس اللغة ص ٤٩١.

<<  <   >  >>