للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النوع الثالث: أنهم يضطرون إليه وقت حوائجهم، فيسألونه ويخضعون له وإن كانوا إذا أجابهم أعرضوا عنه.

النوع الرابع: أنهم كلهم لا بد لهم من القنوت، والطاعة في كثير من أوامره وإن عصوه في البعض، وإن كانوا لا يقصدون بذلك طاعته بل يسلمون له ويسجدون طوعا وكرها، وذلك أنه أرسل الرسل وأنزل الكتب بالعدل، فلا صلاح لأهل الأرض في شيء من أمورهم إلا به، ولا يستطيع أحد أن يعيش في العالم مع خروجه عن جميع أنواعه، بل لا بد من دخوله في شيء من أنواع العدل، حتى قطاع الطريق، لا بد لهم فيما بينهم من قانون يتفقون عليه ولو أراد واحد منهم أن يأخذ المال كله لم يمكنوه.

النوع الخامس: خضوعهم لجزائه لهم في الدنيا والآخرة. كما ذكر من ذكر أنهم قانتون يوم القيامة، وهو سبحانه قد يجزي الناس في الدنيا فيهلكهم وينتقم منهم، كما أهلك قوم نوح، وعادا، وثمود، وفرعون، فكانوا خاضعين منقادين لجزائه وعقابه، قانتين له كرها والجزاء يكون في الدنيا، وفي البرزخ، وفي الآخرة». (١)

ويتبين مما تقدم أن القنوت في هذه الآية عائد إلى الطاعة، كما دل عليه كلام ابن جرير، والمفسرون بعده وشيخ الإسلام ابن تيمية، فتكون هذه الآية الوجه الأول نفسه.

الوجه الثالث: طول القيام.

ومثل له ابن الجوزي بقوله تعالى: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ} [آل عمران: ٤٣].

ويشهد له ما أورده ابن الجوزي في هذا الباب، من حديث جابر قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الصلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت» (٢).

وقال به من السلف: مجاهد، والربيع، والأوزاعي (٣).

وقال به من المفسرين: النَّحاس، والبغوي، والزَّمخشري، وابن عطية، والقرطبي، وأبو حيَّان (٤).


(١) رسالة في قنوت الأشياء لله ص ٢٤ - ٢٨، بتصرف شديد.
(٢) أخرجه مسلم ١/ ٥٢٠ برقم ٧٥٦.، والترمذي ٢/ ٢٢٩ برقم ٣٨٧.
(٣) جامع البيان ٣/ ٣٤٠.
والأوزاعي: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو الشامي الإمام العلم، كان ثقة مأمونا فاضلا خيرا كثير الحديث والعلم والفقه مات سنة ١٥٧ هـ (خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٢٣٢. سير أعلام النبلاء ٧/ ١٠٧)
(٤) معاني القرآن للنحاس ١/ ٣٩٨. معالم التنزيل ص ٢٠٥. الكشاف ١/ ٣٨٩. المحرر الوجيز ١/ ٤٣٤. البحر المحيط
٣/ ١٤٧. الجامع لأحكام القرآن ٤/ ٥٤.

<<  <   >  >>