للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال به من المفسرين: الزَّجَّاج، والنَّحاس والزَّمخشري وابن عطية، والقرطبي (١) وذكروا أقولاً أخرى حتى أوصلها أبو حيَّان إلى ثمانية أقوال، كلها في معنى الفرقان (٢).

وانتصر ابن جرير للقول بأن معنى الفرقان، مطلق الفصل بين الحق والباطل، ولأن القول بالقرآن يلزم منه التكرار مع أول الآية، فقدم التأسيس على التكرار فقال: «والتأويل الذي ذكرناه عن محمد بن جعفر بن الزبير في ذلك أولى بالصحة، من التأويل الذي ذكرناه عن قتادة والربيع، وأن يكون معنى الفرقان في هذا الموضع فصل الله بين نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، والذي حاجُّوه في أمر عيسى وفي غير ذلك من أموره بالحجة البالغة القاطعة، عذرهم وعذر نظرائهم من أهل الكفر بالله، وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب، لأن إخبار الله عن تنزيله القرآن قبل إخباره عن تنزيله التوراة والإنجيل في هذه الآية قد مضى بقوله {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ} [آل عمران: ٣] ولا شك أن ذلك الكتاب هو القرآن لا غيره، فلا وجه لتكريره مرة أخرى إذ لا فائدة في تكريره» (٣)

وذهب ابن القيم، إلى أن الفرقان في هذه الآية هو النصر فقال: «{وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران: ٤].

فذكر إنزال الكتاب الهادي والفرقان وهو النصر الذي .. وسر اقتران النصر بالهدى أن كلاً منهما يحصل به الفرقان بين الحق والباطل .. » (٤).

وقال ابن عطية بعد ذكره قولي السلف الأولين: «والفرقان يعم هذا كله» (٥). فرأى أن القولين عائدان للقرآن، وبه فرق الله تعالى بين الحق والباطل في وفد نجران، وفي الأحكام والشرائع وغيرها.

وعند التأمل فإن قول ابن جرير وهو: مطلق الفصل بين الحق والباطل يزيد العموم اتساعاً فيستوعب جميع أقوال السلف دون رد شيء منها، فالفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه


(١) معاني القرآن وإعرابه ١/ ٣٧٥. معاني القرآن للنحاس ١/ ٣٤٣. الكشاف ١/ ٣٦٤. المحرر الوجيز ١/ ٣٩٩. الجامع لأحكام القرآن ٤/ ٦.
(٢) البحر المحيط ٣/ ١٧.
(٣) جامع البيان ٣/ ٢١٨.
(٤) بدائع الفوائد ٢/ ٢٥٣.
(٥) المحرر الوجيز ١/ ٣٩٩.

<<  <   >  >>