للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعنى كلام المفسرين يدل عليه؛ فإنهم يذكرون في الأولى أن الله تعالى فعال لا يغلبه شيء ولا مانع لما أراد، وفي الثانية على أن العاقبة لجند الله (١).

ويتبين مما تقدم، صحة هذا الوجه في معنى الآيتين، ومأخذه التفسير بجزء المعنى للفظ في اللغة؛ قال ابن فارس: «الغين واللام والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على قوَّةٍ وقَهرٍ وشدَّة». (٢)، وجائز أن يكون مأخذه تفسير الشيء بلازمه لأن من لوازم الغلبة القهر.

الوجه الثاني: القتل.

ومثل له ابن الجوزي بقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} [آل عمران: ١٢].

وقال بمعناه من السلف: ابن عباس، وقتادة، وعكرمة. (٣)

ومن المفسرين: الفرَّاء، وابن جرير، والزَّجَّاج، والزَّمخشري، وابن عطية، وأبو حيَّان (٤).

وبعد هذا العرض لهذا الوجه، يلاحظ دخوله في الوجه الرابع:

فهاهنا قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} [آل عمران: ١٢].

مثل به ابن الجوزي للقتل مع أنه مستقيم في معنى الهزيمة، ومعلوم أن التقاء الصفين لايعني ذهاب النفوس جميعها فهناك من ينهزم فيُقتل، وهناك من ينهزم ويفر، وهناك من ينهزم ويؤسر، ويؤيده تفسير ابن عطية لهذه الآية فقال: «وكلٌ قد غُلب بالسيف، والجزية، والذلة» (٥)، وأما القرطبي فقد نص على الهزيمة في هذه الآية (٦)، وبذلك يتضح أن القتل نوع من أنواع الهزيمة في الحرب، قال ابن فارس: «الهاء والزاء والميم، أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على غَمْز وكَسْر. فالهَزْم: أن تَغْمِزَ الشئَ، بيدك فَيَنْهَزمَ إلى داخل، كالقِثّاءَة والبِطّيخة؛ ومنه الهَزِيمة في الْحَرْب». (٧) فجعل هزيمة الحرب جزء من معنى الهزيمة، والقتل جزء من هزيمة الحرب إذ ليس كل مهزوم مقتول، ومن خلال ما تقدم يتبين أن الغلبة في جميع آيات الوجهين هي الهزيمة، سواء كانت بالقتل، أو غيره، فلا تفريق بين القتل والهزيمة في وجهين منفردين.

الوجه الثالث: الظهور.

ومثل له ابن الجوزي بقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} [الكهف: ٢١].

قال السُّدي: الأمراء أو السلاطين (٨).

وقال به من المفسرين: ابن عطية، والقرطبي، وأبو حيَّان (٩).


(١) ينظر جامع البيان ١٢/ ٢٢٠، و ١٤/ ٢٣، ومعاني القرآن وإعرابه في آية الصافات ٤/ ٣١٦، ومعالم التنزيل ص ٦٤١، وص ١١٠٣، والكشاف ٢/ ٤٢٨، و ٤/ ٦٩، والمحرر الوجيز في آية الصافات ٤/ ٤٩٠، والجامع لأحكام القرآن
٩/ ١٠٦، و ١٥/ ٩١، والبحر المحيط ٦/ ٢٥٣، و ٩/ ١٣١، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ٣/ ٥٧٩، و ٥/ ٣٦٦.
(٢) مقاييس اللغة ص ٧٧٣.
(٣) جامع البيان ٣/ ٢٤٨.
(٤) معاني القرآن للفراء ١/ ٣٨٠. جامع البيان ٣/ ٢٤٨. معاني القرآن وإعرابه ١/ ٣٨٠. الكشاف ١/ ٣٦٨. المحرر الوجيز
٤/ ١٧. البحر المحيط ٣/ ٤٣.
(٥) المحرر الوجيز ٤/ ١٧. وقريبا منه أبو حيان في البحر المحيط ٣/ ٤٣.
(٦) الجامع لأحكام القرآن ٤/ ١٧.
(٧) مقاييس اللغة ص ١٠٣١.
(٨) تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم ٧/ ٢٣٥٤.
(٩) المحرر الوجيز ٣/ ٥٠٧. الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ٢٤٦. البحر المحيط ٧/ ١٥٩.

<<  <   >  >>