للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن عثيمين: «{وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥]، اختلف فيه المفسرون من السلف، والخلف، فقال بعضهم: المراد به وجه الله الحقيقي؛ وقال بعضهم: المراد به الجهة: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥]، يعني: في المكان الذي اتجهتم إليه جهة الله عز وجل؛ وذلك؛ لأن الله محيط بكل شيء؛ ولكن الراجح أن المراد به الوجه الحقيقي؛ لأن ذلك هو الأصل؛ وليس هناك ما يمنعه؛ وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قِبَل وجه المصلي (١)؛ والمصلُّون حسب مكانهم يتجهون؛ فأهل اليمن يتجهون إلى الشمال؛ وأهل الشام إلى الجنوب؛ وأهل المشرق إلى المغرب؛ وأهل المغرب إلى الشرق؛ وكل يتجه جهة؛ لكن الاتجاه الذي يجمعهم الكعبة؛ وكل يتجه إلى وجه الله؛ وعلى هذا يكون معنى الآية: أنكم مهما توجهتم في صلاتكم فإنكم تتجهون إلى الله سواء إلى المشرق، أو إلى المغرب، أو إلى الشمال، أو إلى الجنوب» (٢).

وبهذا تكون جميع هذه الأمثلة بمعنى إثبات صفة الوجه لله تعالى، على مايليق بجلاله، ويكون هذا الوجه: صفة لله تعالى، ويشهد له حديث جابر بن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: {قُلْ

هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ}، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أعوذ بوجهك فقال: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أعوذ بوجهك قال: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} [الأنعام: ٦٥]، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: هذا أيسر» (٣)، ومأخذه إثبات ما وصف الله تعالى به نفسه، وما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

الوجه الرابع: الأول.

ومثل له ابن الجوزي بقوله تعالى: {آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ} [آل عمران: ٧٢].

وقال به من السلف: ابن عباس، وأبو مالك غزوان الغفاري، والسُّدي (٤)، وقتادة، والربيع (٥).


(١) أخرجه البخاري (كتاب الصلاة، باب: حك البزاق باليد من المسجد، ١/ ١٥٩ برقم ٤٠٦) عن ابن عمر.
(٢) تفسير القرآن الكريم ٢/ ١٣.
(٣) أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، باب كل شيء هالك إلا وجهه ٦/ ٢٦٩٤، برقم ٦٩٧١)
(٤) تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم ٢/ ٦٧٩.
(٥) جامع البيان ٣/ ٣٩٩.

<<  <   >  >>