للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المواضع غير الموضع الذي ذكره في سورة البقرة وهو قوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥]، وهذا لا يتعين حمله على القبلة أو الجهة ولا يمنع أن يراد به وجه الرب حقيقة فحمله على موارده ونظائره كلها أولى (١).

السابع: أنه لا يعرف إطلاق وجه الله على القبلة لغة ولا شرعا، ولا عرفا، بل القبلة لها اسم يخصها، والوجه له اسم يخصه، فلا يدخل أحدهما على الآخر، ولا يستعار اسمه له.

الثامن: أنه لو أريد بالوجه في الآية الجهة والقبلة لكان وجه الكلام أن يقال: فأينما تولوا فهو وجه الله، لأنه إذا كان المراد بالوجه الجهة فهي التي تولي نفسها وإنما يقال ثم كذا إذا كان أمران كقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (٢٠)} [الإنسان: ٢٠]، فالنعيم والملك ثم لا إنه نفس الظرف والوجه لو كان المراد به الجهة نفسها لم يكن ظرفا لنفسها فإن الشيء لا يكون ظرفا لنفسه فتأمله، ألا ترى أنك إذا أشرت إلى جهة الشرق والغرب لا يصح أن تقول ثم جهة الشرق ثم جهة الغرب بل تقول هذه جهة الشرق وهذه جهة الغرب ولو قلت: هناك جهة الشرق والغرب لكان ذكر الظرف لغوا، وذلك لأن ثم إشارة إلى المكان البعيد فلا يشار بها إلى قريب والجهة والوجهة مما يحاذيك إلى آخرها فجهة الشرق والغرب ووجهة القبلة مما يتصل إلى حيث ينتهي؛ فكيف يقال فيها: ثم إشارة إلى البعيد؟ بخلاف الإشارة إلى وجه الرب تبارك وتعالى فإنه يشار إلى ذاته، ولهذا قال غير واحد من السلف فثم الله تحقيقا لان المراد وجهه الذي هو من صفات ذاته والإشارة إليه بأنه ثم كإشارة إليه بأنه فوق سمواته وعلى العرش وفوق العالم.

التاسع: أن تفسير القرآن بالقرآن هو أولى التفاسير ما وجد اليه السبيل ولهذا كان يعتمده الصحابة والتابعون والأئمة بعدهم والله تعالى ذكر في القرآن القبلة باسم القبلة والوجوه، وذكر وجهه الكريم باسم الوجه المضاف إليه فتفسيره في هذه الآية بنظائره هو المتعين» (٢).


(١) في آية البقرة هذه خالف ابن القيم شيخه ابن تيمية حيث أنه ضمها إلى نظائرها من آيات الصفات، وأما ابن تيمية فإنه يرى أن هذه الآية ليس من آيات الصفات وإنما الوجه هنا بمعنى الجهة وذكر هذا واضحا جليا في مناظراته للأشاعره وإمهاله لهم ثلاث سنين أن يأتوا بحرف من أقوال السلف يخالف ماقرره .. ينظر للاستزادة (الفتاوى ٦/ ١٥).
(٢) مختصر الصواعق المرسلة ٢/ ٣٥٠. بتصرف شديد وقد ذكر اثنين وعشرين وجها تنظر للاستزادة، وأيضا: الاعتقاد
ص ٨، الإبانة لأبي الحسن الأشعري ١/ ١٢٠، الفتاوى ٦/ ١٥، ٦/ ٤٢٤ والجواب الصحيح لابن تيمية ٤/ ٤١٤، أقاويل الثقات للكرمي ص ١٤٤، وتفسير ابن عثيمين لسورة الكهف ص ٥٨.

<<  <   >  >>