للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دعائه: «أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك» (١)، ولم يكن ليسأل لذة النظر إلى ثواب المخلوق ولا يعرف تسمية ذلك وجها لغة ولا شرعا ولا عرفا.

الرابع: قول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السماوات والأرض من نور وجهه»، فهل يصح أن يحمل الوجه في هذا على مخلوق أو يكون صلة لا معنى له، أو يكون بمعنى القبلة والجهة، فعلم أن نوره صفة له كما أن الوجه صفة ذاتية وهو الذي قاله ابن مسعود وهو تفسير قوله: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: ٣٥]، فلا تشتغل بأقوال المتأخرين الذين غشت بصائرهم عن معرفة ذلك فخذ العلم عن أهله فهذا تفسير الصحابة - رضي الله عنهم -.

الخامس: أن الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين وجميع أهل السنة والحديث والأئمة الأربعة وأهل الاستقامة من أتباعهم متفقون على أن المؤمنين يرون وجه ربهم في الجنة؛ فمن أنكر حقيقة الوجه لم يكن للنظر عنده حقيقة، ولا سيما إذا أنكر الوجه والعلو فيعود النظر عنده إلى خيال مجرد، وان أحسن العبارة قال: هو معنى يقوم بالقلب لهم إليه، كنسبة النظر إلى العين وليس في الحقيقة عنده نظر ولا وجه ولا لذة تحصل للناظر.

السادس: أن تفسير وجه الله بقبلة الله وإن قاله بعض السلف كمجاهد (٢) وتبعه الشافعي فإنما قالوه في موضع واحد لا غير وهو قوله تعالى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥]، فهب أن هذا كذلك في هذا الموضع فهل يصح أن يقال ذلك في غيره من المواضع التي ذكر الله تعالى فيها الوجه؟، فما يفيدكم هذا في قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٦، ٢٧]، وقوله {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: ٢٠]، وقوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان: ٩]، على أن الصحيح في قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥]، أنه كقوله في سائر الآيات التي فيها ذكر الوجه؛ فانه قد اطرد مجيئه في القرآن والسنة مضافا إلى الرب تعالى على طريقة واحدة ومعنى واحد؛ فليس فيه معنيان مختلفان في جميع


(١) أخرجه النسائي في المجتبى (كتاب افتتاح الصلاة، باب نوع آخر من الدعاء ٣/ ٥٤ برقم ١٣٠٥)، وأحمد ٥/ ١٩١، قال المغراوي: بأسانيد يقوي بعضها بعضا، وهو من حديث عمار بن ياسر.
(٢) جامع البيان ١/ ٦٦٤.

<<  <   >  >>