للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

" قلت: وقد أطنب الزَّمخشري (١) في تقرير ما رواه ابن جرير هاهنا وتأول الآية من خمسة أوجه، وكلها ضعيفة جداً وما جرأه على ذلك إلا اعتزاله، لأن الختم على قلوبهم ومنعها من وصول الحق إليها قبيح عنده، يتعالى اللَّه عنه في اعتقاده، ولو فهم قوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: ٥]، وقوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: ١١٠]، وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى إنما ختم على قلوبهم وحال بينهم وبين الهدى جزاءً وفاقاً على تماديهم في الباطل وتركهم الحق، وهذا عدل منه تعالى حسن وليس بقبيح فلو أحاط علماً بهذا لما قال ما قال واللَّه أعلم (٢).

ويشهد للقول الصحيح حديث حذيفة عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مرباد، كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً .. " الحديث (٣).

وقول القدرية في الآية هنا يخرج الوجه الذي قال به السلف ويخرج بتفسير الآية من الحقيقة إلى المجاز وعلى هذا تدور تفاسيرهم وتأويلاتهم واللَّه أعلم.

{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة: ٧].

الوجه الثاني: الحفظ والربط.

ومثل له ابن الجوزي بقوله تعالى: {فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} [الشورى: ٢٤].


(١) ينظر: الكشاف للزمخشري ١/ ٨٨ - ٩٢، وتَعقُب ابن المنير له في الحاشية، ورسالة الماجستير (المسائل الاعتزالية في تفسير الكشاف د/ صالح الغامدي ١/ ١٧٤).
(٢) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/ ١٦٣.
(٣) أخرجه مسلم ١/ ١٢٨، برقم ١٤٤.

<<  <   >  >>