للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن فارس: «السين واللام والكاف: أصلٌ يدلُّ على نفوذ شئٍ في شئ» (١)، فالسلوك دخول شيئ في شيء، والدخول منه.

الوجه الثاني: الجعل.

ومثل له ابن الجوزي بقوله تعالى: {يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: ٢٧].

ومعنى كلام السلف يدل عليه، كقول ابن عباس: «هي معقبات من الملائكة، يحفظون النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشيطان، حتى يتبين الذي أرسل به إليهم»، ونحوه عن إبراهيم النخعي، والضحاك، وقتادة (٢).

وتبع السلفَ المفسرون في تفسير الآية، ومنهم: الفرَّاء، وابن جرير، والبغوي، والزَّمخشري، والقرطبي، وابن كثير (٣).

ويتبين مما تقدم صحة هذا الوجه في معنى الآية، ومأخذه التفسير بالمقارب لأن الجعل داخل في معاني الأفعال كلها ومنها السلوك، قال الراغب الأصفهاني: «جَعَلَ: لفظٌ عام في الأفعال كلها، وهو أعمُّ من فَعَلَ وصَنَعَ، وسائر أخواتها» (٤)، هذا وقد أيد الوجه في معنى الآية ابن قتيبة فقال: «وقال: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} أي يجعل بين يديه وخلفه رصدا من الملائكة، يحوطون الوحي من أن تسترقَهُ الشياطين فتلقيه إلى الكهنة، حتى تخبر به الكهنة إخبار الأنبياء؛ فلا يكون بينهم وبين الأنبياء فرق، ولا يكون للأنبياء دلالة» (٥).

الوجه الثالث: التكليف.

ومنه قوله تعالى في الجن: {يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} [الجن: ١٧].


(١) مقاييس اللغة ص ٤٦٨.
(٢) جامع البيان ٢٩/ ١٤٨.
(٣) معاني القرآن للفراء ٣/ ١٩٦. المرجع السابق نفسه. معالم التنزيل ص ١٣٥٥. الكشاف ٤/ ٦٣٥. الجامع لأحكام القرآن ١٩/ ٢٠. تفسير القرآن العظيم ٦/ ٣٢٧.
(٤) مفردات ألفاظ القرآن ص ١٩٦.
(٥) تأويل مشكل القرآن ص ٢٤٤، ونحوه وتأويل مختلف الحديث ص ١٧٨.

<<  <   >  >>