للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن كثير:

«ومات أبوه وعمره ثلاث سنين، وكان أهله تجارا في النحاس، فلما ترعرع جاءت به عمته إلى مسجد محمد بن ناصر الحافظ، فلزم الشيخ وقرأ عليه، وسمع عليه الحديث، وتفقه بابن الزاغوني، وحفظ الوعظ، ووعظ وهو ابن عشرين سنة أو دونها، وأخذ اللغة عن أبي منصور الجواليقي، وكان وهو صبي دينًا، مجموعا على نفسه لا يخالط أحدا، ولا يأكل ما فيه شبهة، ولا يخرج من بيته إلا للجمعة، وكان لا يلعب مع الصبيان، وقد حضر مجلس وعظه الخلفاء والوزراء والملوك والأمراء والعلماء والفقراء، ومن سائر صنوف بني آدم، وأقل ما كان يجتمع في مجلس وعظه عشرة آلاف، وربما اجتمع فيه مائة ألف أو يزيدون، وربما تكلم من خاطره على البديهة نظما ونثرا، وبالجملة كان أستاذا فردا في الوعظ وغيره، وقد كان فيه بهاء وترفع في نفسه، وإعجاب وسمو بنفسه أكثر من مقامه، وذلك ظاهر في كلامه في نثره ونظمه» (١).

وقال الذهبي:

«وكان رأسا في التذكير بلا مدافعة يقول النظم الرائق والنثر الفائق بديها ويسهب ويعجب ويطرب ويطنب، لم يأت قبله ولا بعده مثله، فهو حامل لواء الوعظ والقيم بفنونه مع الشكل الحسن والصوت الطيب والوقع في النفوس وحسن السيرة، وكان بحرا في التفسير علامة في السير والتاريخ موصوفا بحسن الحديث ومعرفة فنونه فقيها عليما بالإجماع والاختلاف، جيد المشاركة في الطب ذا تفنن وفهم وذكاء وحفظ واستحضار وإكباب على الجمع والتصنيف، مع التصون والتجمل وحسن الشارة ورشاقة العبارة ولطف الشمائل والأوصاف الحميدة والحرمة الوافرة عند الخاص والعام ما عرفت أحدا صنف ما صنف» (٢).

[شيوخه وتلاميذه]

تتلمذ الإمام أبو الفرج على مجموعة من الأئمة والعلماء، كان لهم التأثير الواضح على شخصيته وبنائه العلمي، سيما أنه بدأ الطلب في سنيي عمره الأولى، إذ إنه بدأ السماع وهو ابن ستة عشر


(١) البداية والنهاية ١٣/ ٢٨. وابن كثير: الإمام المحدث الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء ابن كثير القيسي ولد سنة ٧٠٠ ومن مصنفاته (تفسير القرآن العظيم) و (البداية والنهاية) وغير ذلك مات في شعبان سنة ٧٧٤ هـ (طبقات الحفاظ ٥٣٤.طبقات المفسرين للأدنه وي ٢٦٠).
(٢) سير أعلام النبلاء ٢١/ ٣٦٧.

<<  <   >  >>