للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال بمعناه من المفسرين: الزَّجَّاج، والسمرقندي، والبغوي، والزَّمخشري، وابن عطية، وأبو حيان، وأبو السعود؛ قالوا: طعن وتهديد باللسان (١).

والأولى أن يكون هذا الوجه والذي بعده وجها واحدا؛ قال السمرقندي في تفسيره لهذه الآية: «يعني باللسان بالسب وغيره»، وقال ابن كثير في تفسيره لآية النساء في قوله تعالى:

{وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء: ١٦]: «الشتم» فيلاحظ عدم تفريقهم بينهما (٢)، وبهذا يعود هذا المثال للوجه الذي بعده.

الوجه الثامن: السب والتعيير.

[ومثل له ابن الجوزي بآيتين]

الآية الأولى قوله تعالى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} [آل عمران: ١٨٦].

ويشهد له حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركب على حمار على قطيفة فَدَكِية (٣)، وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، قال حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول، وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود والمسلمين، وفي المجلس عبد الله بن رواحة؛ فلما غشيت المجلس عَجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، ثم قال لا تغبروا علينا فسلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فقال عبد الله بن أبي بن سلول: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذنا به في مجالسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه .. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم


(١) معاني القرآن وإعرابه ١/ ٤٥٧. تفسير السمرقندي ١/ ٢٦٣. معالم التنزيل ص ٢٣٦. الكشاف ١/ ٤٢٩. المحرر الوجيز ١/ ٤٩. البحر المحيط ٣/ ٣٠٣. إرشاد العقل السليم ٢/ ٧١. وفي الآية قول آخر وهو: أذية المشركين لهم وإسماعهم كفرهم، وقولهم في عيسى وأمه، وعزير، ودعاؤهم المسلمين إلى الضلالة، وقال به من السلف: ابن عباس، وقتادة والربيع، والحسن. (جامع البيان ٤/ ٦١).
(٢) ذكرهما أبو هلال العسكري في الفروق ص ٦٤؛ غير أن تفريقه لايدخل في الوجهين فجعل الشتم محدودا والسب مطنبا.
(٣) والقطيفة دثار مخمل جمعها قطائف وقُطُف والفدكية: منسوبة إلى فدك بلدة معروفة على مرحلتين أو ثلاث من المدينة.
(شرح النووي على صحيح مسلم ١٢/ ١٥٧).

<<  <   >  >>