للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا يعود هذا الوجه للذي قبله ويكون الضحك على بابه؛ سيما أن الفرح لازم للضحك فلا يمكن أن يكون ضحك على بابه إلا ومعه فرح.

الوجه الثالث: التعجب.

ومثل له ابن الجوزي بقوله تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} [النمل: ١٩].

ولم أقف على من قال بالتعجب في هذه الآية؛ بل الذي يذكرونه أنه الضحك المعروف غير أن دلالة الآية فيها الابتداء بالتبسم ثم الانتقال إلى الضحك.

قال ابن سيرين لما سئل عن التبسم في الصلاة: «لا أراه إلا ضحكا ثم تلا هذه الآية». (١)

قال ابن جرير:» تبسم سليمان ضاحكا»، وقال الزَّجَّاج: «تبسم لأن أكثر ضحك الأنبياء تبسما»، وقال النَّحَّاس: «كذلك ضحك الأنبياء»، وقال البغوي: «مبتسما، وقيل: أوله تبسما وآخره ضحكا»، وقال الزَّمخشري: «تبسم شارعا في الضحك، يعني قد جاوز حد التبسم إلى الضحك «وقال ابن عطية نحوا من قول الزَّجَّاج، وأبو حيان نحواً من قول الزَّمخشري (٢).

وعلى القول بالتبسم فقط ففي الآية ما يرده وهو التصريح بالضحك بعد التبسم مما يثبت أن هناك حالة ضافية على التبسم وهي الضحك، وحين يصح هذا التقرير فليس يعارض الحالة الأصلية للأنبياء وهي أن أكثر ضحكهم تبسما، فيكون هذا المثال من القليل الذي هو خلاف الأصل، مع كون داعيه موجوداً من حال النملة، وكل هذا دون القهقهة، فهو - عليه السلام - انتقل من التبسم إلى طرف من الضحك؛ قال القرطبي: «والمعنى تبسم مقدار الضحك لأن الضحك يستغرق التبسم والتبسم دون الضحك وهو أوله .. فالتبسم ابتداء الضحك والضحك عبارة عن الابتداء والانتهاء، إلا أن الضحك يقتضي مزيدا على التبسم، فإذا زاد ولم يضبط الإنسان نفسه، قيل قهقه، والتبسم ضحك الأنبياء عليهم السلام» وعلى هذا يعود هذا المثال إلى الوجه الأول وهو الضحك المعروف.

الوجه الرابع: الاستهزاء.

ومثل له ابن الجوزي بثلاث آيات:


(١) تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٥٨.
(٢) جامع البيان ١١/ ١٦٨. معاني القرآن وإعرابه ٤/ ١١٢. معاني القرآن للنحاس ٥/ ١٢٢. معالم التنزيل ص ٩٥٥. الكشاف ٣/ ٣٦١. المحرر الوجيز ٤/ ٢٥٤. الجامع لأحكام القرآن ١٣/ ١٨٧. البحر المحيط ٨/ ٢٢٢.

<<  <   >  >>