للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واختلف السلف في المراد بالقنوت في الآية:

- ذلك كلام مخرجه مخرج العموم والمراد به الخصوص ومعناه: كل له قانتون في الحياة والبقاء والموت، والفناء، والبعث، والنشور، لا يمتنع عليه شيء من ذلك وإن عصاه بعضهم في غير ذلك من العبادة: وقال به ابن عباس.

- قانتون، بإقرارهم بأنه ربهم وخالقهم: وقال به: قتادة.

- هو على الخصوص: والمعنى وله من في السموات والأرض من ملك وعبد مؤمن لله مطيع دون غيرهم: وقال به ابن زيد. (١)

ورجح الأول ابن جرير، والزَّجَّاج (٢)، وردَّاه إلى الطاعة، قال ابن جرير: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس وهو أن كل من في السموات والأرض من خلق لله، مطيع في تصرفه فيما أراد تعالى ذكره، من حياة وموت وما أشبه ذلك، وإن عصاه فيما يكسبه بقوله، وفيما له السبيل إلى اختياره، وإيثاره على خلافه، وإنما قلت ذلك أولى بالصواب في تأويل ذلك، لأن العصاة من خلقه فيما لهم السبيل إلى اكتسابه، كثير عددهم وقد أخبر تعالى ذكره عن جميعهم، أنهم له قانتون فغير جائز أن يخبر عمن هو عاص أنه له قانت فيما هو له عاص، وإذا كان ذلك كذلك فالذي فيه عاص، هو ما وصفت، والذي هو له قانت ما بينت.» (٣)

وذكر الطاعة أيضاً: الزَّجَّاج، والنَّحاس، والبغوي (٤).

وأبقى الآية على عمومها القرطبي فقال: «مقرُّون بالعبودية، إما قالة، وإما دلالة» (٥)، وابن كثير، فقال: «خاشعون خاضعون طوعاً وكرهاً» (٦)

وأما ابن عطية فقد ذكر أن لفظ الآية يعطي العموم في كل من يعقل، وأن تعميمها في المعنى غير صحيح لكون الآية خبراً، ولأن كثيراً من الجن والإنس غير قانت في كثير من الأعمال والاعتقاد، وذكر أنه عموم مراد به الخصوص. (٧)

ومع عموم الآية والاختلاف في المراد بالقنوت فيها، وقف عندها شيخ الإسلام ابن تيمية وقفة المتأمل، فأبقى الآية على عمومها، وينطلق منها إلى تقسيم للقنوت فيها إلى خمسة أقسام لايند منها قول لمن تقدمه، فقال: «ثم قال {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم: ٢٦] .. وعلى هذا فالقنوت الذي يعم المخلوقات أنواع:

أحدها: فإن المراد بقنوته كونه مدبرا مصرفا تحت مشيئة الرب من غير امتناع منه بوجه من الوجوه وهذا شامل للجمادات والحيوانات وكل شيء.

النوع الثاني: من القنوت هو ما يشعر به القانت، وهو اعترافهم كلهم بأنهم مخلوقون مربوبون وأنه ربهم كما تقدم.


(١) جامع البيان ٢١/ ٤٣.
(٢) المرجع السابق نفسه. معاني القرآن وإعرابه ٤/ ١٨٣.
(٣) جامع البيان ٢١/ ٤٣.
(٤) المرجع السابق نفسه. معاني القرآن للنحاس ٥/ ٢٥٤. معالم التنزيل ص ١٠٠٦.
(٥) الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ١٥.
(٦) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٥/ ٨٣.
(٧) المحرر الوجيز ٤/ ٣٣٥.

<<  <   >  >>