للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومع قولهم بذلك القول فإنهم يجعلون السحر على حقيقته هنا وهو سبب صرفهم؛ قال الفرَّاء: «أفك وسحر وصرف سواء»، وقال ابن جرير: «تخييل الشيء إلى الناظر أنه على خلاف ما هو به من هيئة»، وقال البغوي: «كيف يخيل إليكم الحق باطلاً؟».

قال الشنقيطي عن أمثلة هذين الوجهين:» وأما قوله تعالى: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} [الفرقان: ٨].

فمعناه أنهم يزعمون أنه - صلى الله عليه وسلم - مسحور أو مطبوب قد خبله السحر، فاختلط عقله فالتبس عليه أمره يقولون ذلك لينفروا الناس عنه، وقال مجاهد مسحورا، أي مخدوعا مثل قوله: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنين: ٨٩]. أي من أين تخدعون ومعنى هذا راجع إلى ما قبله لأن المخدوع مغلوب في عقله» (١).

وقال السعدي: «{فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنين: ٨٩]، أي فأين تذهب عقولكم حيث عبدتم من علمتم أنهم لا ملك لهم ولا قسط من الملك، وأنهم عاجزون من جميع الوجوه، وتركتم الإخلاص للمالك العظيم القادر المدبر لجميع الأمور، فالعقول التي دلتكم على هذا لا تكون إلا مسحورة، وهي ـ بلا شك ـ قد سحرها الشيطان بما زين لهم وحسن لهم وقلب الحقائق لهم فسحر عقولهم، كما سحرت السحرة أعين الناس «(٢).

وبهذا يتضح عود أمثلة الوجه الرابع _ الجنون - إلى حقيقة السحر وهو الاستعانة بالشياطين، ومثال هذا الوجه - الصرف - يعود إلى الخداع؛ وكلاهما يدخل في المعنى الأصلي للسحر.

[نتيجة الدراسة]

[تحصل من تلك الدراسة، صحة وجهين وهما]

الوجه الأول: السحر المعروف الذي يأخذ بالعين والقلب.

ودل عليه قوله تعالى: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: ١٠٢].

وقوله تعالى: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} [الأعراف: ١١٦].


(١) أضواء البيان ٤/ ٦١.
(٢) تيسير الكريم المنان ص ٥٨٨.

<<  <   >  >>