للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأين هذا من قول سفيان بن عيينة: «انظروا إلى هذا اللطف بدأ بالعفو قبل أن يعيّره بالذنب» (١)، وقول عون: «هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا؟!. نداءٌ بالعفو قبل المعاتبة فقال: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} [براءة: ٤٣]» (٢).

وقال أبو حيَّان: «وكلام الزَّمخشري في تفسير قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} [براءة: ٤٣]، مما يجب اطّراحه، فضلاً عن أن يذكر فيردُّ عليه».

ويتبين مما تقدم صحة الوجه في معنى الآيتين، ومأخذه المعنى المشهور للفظ في اللغة، قال ابن فارس: «العَفْو: عَفْو الله تعالى عن خَلْقه، وذلك تركُه إيّاهم فلا يعاقبُهم، فَضْلاً منه؛ قال الخليل: وكلُّ مَن استحقَّ عُقوبةً فتركْتَه فقد عفوتَ عنه، يقال عفا عنه يعفُو عَفْوًا، وهذا الذي قاله الخليل صحيح» (٣)، ويجوز أن يكون مأخذ هذا الوجه التفسير باللازم لأن من لوازم العفو الصفح والمغفرة.

الوجه الثاني: الترك.

ومثل له ابن الجوزي بقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧].

وقال به من السلف: ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، والربيع، والحسن، وقتادة، وعطاء، وسعيد بن المسيِّب، والشعبي، وشريح، ونافع، والسُّدي، وابن شهاب الزهري، ومقاتل بن حيان، ومحمد بن سيرين، وأبو صالح، وابن زيد، وسفيان بن عيينة (٤).

ومن المفسرين: ابن جرير، الزَّجَّاج، والنَّحَّاس، والبغوي، والزَّمخشري، وابن عطية، والقرطبي، وأبو حيَّان، وابن كثير (٥).


(١) ذكره عنه البغوي في المعالم ص ٥٦٢.
(٢) ذكره عنه ابن كثير في تفسير القرآن العظيم ٣/ ٣٩٤.
(٣) مقاييس اللغة ص ٦٤٢، وانظر قول الخليل في العين ص ٦٥٧.
(٤) جامع البيان ٢/ ٧١٧، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم ٢/ ٤٤٤.
(٥) جامع البيان ٢/ ٧١٧. معاني القرآن وإعرابه ١/ ٣١٩. معاني القرآن للنحاس ١/ ٢٣٢. معالم التنزيل ص ١٤٣. الكشاف ١/ ٣١٣. المحرر الوجيز ١/ ٣٢٠. الجامع لأحكام القرآن ٣/ ١٣٥. البحر المحيط ٢/ ٥٣٥. تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/ ٥٧٦.

<<  <   >  >>