ودل عليه قوله تعالى:{لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة: ٢٣٨]. وقوله تعالى:{وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}[الأحزاب: ٣٥].وتم عرض آراء السلف في الآية الأولى والجمع بينها، ومأخذه أصل اللفظ في اللغة، كما أشار إليه ابن فارس، والراغب الأصفهاني.
الوجه الثاني: طول القيام.
ودل عليه قوله تعالى:{يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ}[آل عمران: ٤٣].
ومأخذه السياق القرآني، كما أشار إليه ابن عطية، وجائز أن يكون مأخذ هذا الوجه المعنى المشهور للفظ في اللغة؛ كما أورده ابن فارس أو يجوز أن يكون مأخذه التفسير بجزء المعنى، كما نبه إليه ابن تيمية.
وأما الوجه الذي هو: العبادة. ودل عليه قوله تعالى:{كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}[الروم: ٢٦]. فلم أقف على من قال به من السلف، أو المفسرين سوى إشارة القرطبي إليه.
وتقدم أن جميع الأقوال الواردة عن السلف، وأئمة الإسلام كابن جرير، والزَّجَّاج، والنَّحاس، والبغوي، وابن تيمية، تفيد رجوع القنوت في الآية إلى الطاعة، فيكون هذا الوجه داخلاً في الوجه الأول الذي هو الطاعة.
وعموما: فالوجوه في هذا الباب بينها تقارب شديد؛ فكلها تدور في فلك الطاعة لا تخرج عنها، ويشير ابن الجوزي لهذا التقارب في نقله لعبارة ابن قتيبة:«ولا أرى أصل القنوت إلا الطاعة. لأن جميع الخلال: من الصلاة، والقيام فيها، والدعاء وغيره يكون عن الطاعة»، ومما يشعر بتقارب الوجوه أيضاً: أن ابن كثير عند تفسيره آية الأحزاب: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}[الأحزاب: ٣٥]. قال الطاعة في سكون، ثم ساق جميع الآيات في هذا الباب دون استثناء، فجعله من تفسير القرآن بالقرآن.