وتم التنبيه على رفع الزَّمخشري راية الاعتزال وإنكاره وقوع السحر حقيقة، ومأخذه أحد أصول اللفظ في اللغة؛ كما قال ابن فارس.
وتم التنبيه على أن هذا الوجه على ضربين؛ ما يكون باستجلاب معاونة الشياطين - وهو الذي تنكره المعتزلة -، ومنه المثال الأول، ومنه ما يكون بالخديعة ومنه المثال الثاني ..
والثاني: العلم. ودل عليه قوله تعالى:{يَاأَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}[الزخرف: ٤٩]، ومأخذه تفسير الشيء بسببه، لأن العلم من أسباب السحر، ويجوز أن يكون مأخذه تفسير الشيء بلازمه لأن من لوازم السحر العلم.
[وأما الوجوه وهي]
- الكذب. فقوله تعالى:{وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ}[القمر: ٢]. وقوله تعالى:{وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}[الأعراف: ١١٦]. فقد تقدم أنني لم أقف على من فسر السحر هنا بالكذب من السلف والمفسرين. وأن الذي يقولونه: أنه السحر المعروف، وبهذا يعود هذان المثالان إلى الوجه الأول وهو السحر المعروف الذي يأخذ بالعين والقلب.
- الجنون.
فقوله تعالى: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٨)} [الفرقان: ٨].فلم أقف على من قال به من السلف والمفسرين غير الزَّمخشري في المثال الأول. والذي عليه المفسرون أن السحر هنا على حقيقته: وقال به منهم: ابن جرير، والبغوي، وابن عطية، والقرطبي، وأبو حيان، وابن كثير (١)، وبهذا يعود هذان المثالان إلى الوجه الأول وهو السحر المعروف الذي يأخذ بالعين والقلب.
- الصرف.
فقوله تعالى:{فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}[المؤمنين: ٨٩].
فقد تقدم قول المفسرين به وأن السحر هو سبب الصرف كما قاله الشنقيطي والسعدي، وبهذا يتضح عود أمثلة الوجه الرابع _ الجنون - إلى حقيقة السحر وهو الاستعانة بالشياطين، ومثال هذا الوجه - الصرف - يعود إلى الخداع؛ وكلاهما يدخل في المعنى الأصلي للسحر.
(١) جامع البيان ١٥/ ١٢٠. معاني القرآن وإعرابه ٣/ ٢٤٣. معاني القرآن للنحاس ٤/ ١٦١. معالم التنزيل ص ٧٤٤. المحرر الوجيز ٣/ ٤٦١. الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ١٧٧. البحر المحيط ٧/ ٥٨. تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/ ١٥١.