للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وللسلف في الآية قولان آخران:

أخلصي لربك: وقال به سعيد بن جبير.

أطيعي لربك: وقال به قتادة والسُّدي والحسن.

وأشار ابن جرير إلى أن الخلاف هنا مشابه للخلاف في آية البقرة، ثم ذكر الأقوال الثلاثة، وجمع بينها بقوله: «فتأويل الآية إذاً، يا مريم أخلصي عبادة ربك لوجهه خالصا واخشعي لطاعته وعبادته مع من خشع له من خلقه، شكراً له على ما أكرمك به من الاصطفاء، والتطهير من الأدناس، والتفضيل على نساء عالم دهرك» (١)

فهي أمرت بالقيام بين يديه تعالى على تلك الصفة، وهي القيام المخلص الخاشع، وهذا هو القنوت بعينه.

ويتبين مما تقدم صحة هذا الوجه في معنى الآية، ومأخذه السياق القرآني، قال ابن عطية في تجلية أثر السياق على اختيار جمهور المفسرين لهذا الوجه في تفسير الآية: «أطيلي القيام في الصلاة، وهذا هو قول الجمهور، وهو المناسب في المعنى لذكر السجود والركوع في الآية، وجائز أن يكون مأخذ هذا الوجه المعنى المشهور للفظ في اللغة؛ قال ابن فارس:» وقيل لطُولِ القِيام في الصَّلاةِ قُنُوت «(٢)، ويجوز أن يكون مأخذه أيضاً التفسير بجزء المعنى، لأنه معلوم أن القيام وحده ليس قنوتا، بل لابد فيه من معان أخرى كالإخلاص، والخشوع، وعامة مايرضاه الله تعالى من أعمال القلوب، والجوارح فتجتمع، في حالة تسمى القنوت، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لا يعرف في اللغة أن مجرد القيام يسمى قنوتا، والرجل يقوم ماشيا وقائما في أمور ولا يسمى قانتا، وهو في الصلاة يسمى قانتا لكونه مطيعا، عابدا، ولو قنت قاعدا، ونائما، سمي قانتا». (٣)

[نتيجة الدراسة]

تحصل من تلك الدراسة صحة وجهين وهما:


(١) جامع البيان ٣/ ٣٤٠.
(٢) مقاييس اللغة ص ٨٣٤.
(٣) رسالة في قنوت الأشياء لله ص ٩.

<<  <   >  >>