للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتبين مما تقدم، صحة هذا الوجه في معنى الآية، ومأخذه التفسير باللازم لأن من لوازم الحمد الشكر؛ قال الراغب الأصفهاني: «فكل شكر حمد، وليس كل حمد شكرا» (١).

والخامس: الصلاة.

ومثل له ابن الجوزي بقوله تعالى: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: ١٨].

وقال به من السلف ابن عباس؛ قال: «يحمده أهل السماوات وأهل الأرض، ويصلون له». (٢)

وهذا الذي فسره ابن عباس قد يكون تفسيرا للآية كلها؛ بدليل سؤال نافع بن الأزرق إياه هل تجد ميقات الصلوات الخمس في كتاب الله؟ قال: نعم فسبحان الله حين تمسون المغرب وحين تصبحون الفجر، وعشيا العصر، وحين تظهرون الظهر، قال ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم» (٣).

وفسر الحمد على أصله في الآية من المفسرين: ابن جرير، والبغوي، والزَّمخشري، وابن عطية، والقرطبي، وأبو حيان، وابن كثير (٤).

[ويؤيد رد الوجه في الآية أمور]

- أن ابن جرير نقل عن ابن عباس مرويات متعددة على نحو سؤال نافع بن الأزرق، ولم يورد رواية ابن الجوزي تلك.

- أن هذا الوجه من التفسير لو صح عن مثل ابن عباس لقال به أولئك المفسرون؛ وإنما أورده

القرطبي ورده ورجح أصل الحمد؛ فقال: «{وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: ١٨]. اعتراض بين الكلام بدُءوب الحمد على نعمه وآلائه، وقيل: معنى وله الحمد، أي الصلاة له لاختصاصها بقراءة الحمد. والأول أظهر فإن الحمد لله من نوع تعظيم الله تعالى والحض على عبادته ودوام نعمته فيكون نوعا آخر خلاف الصلاة والله أعلم» (٥).

- قال باعتراض جملة {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: ١٨]، على نحو قول القرطبي آنفا؛ ابن عطية، وأبو حيان، وابن كثير (٦).

وبهذا يكون هذا المثال عائداً إلى معنى الثناء والمدح لله تعالى، وهو الوجه الأول.

[نتيجة الدراسة]

[تحصل من تلك الدراسة، صحة وجوه ثلاثة هي]

الوجه الأول: الثناء والمدح. ودل عليه قوله تعالى: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران ١٨٨]. وقوله تعالى: {أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: ٧٩]. وشهد له حديث ابن عمر، وتم التنبيه على أثر مجاهد ورد الواحدي له وتفنيد قول الواحدي من كلام شيخ الاسلام، ومأخذه المعنى المشهور للفظ في اللغة؛ كما قال الخليل، ويجوز أن يكون مأخذه التعبير عن الشيء بنتيجته، لأن نتيجة الحمد الثناء والمدح.

الوجه الثاني: الأمر. ودل عليه قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٥٢]، وقوله تعالى: {بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: ٤٨]، ومأخذه السياق القرآني.

الوجه الثالث: الشكر. ودل عليه قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام: ١]، ومأخذه التفسير باللازم لأن من لوازم الحمد الشكر؛ كما قال الراغب الأصفهاني، وبين هذا الوجه والوجه الأول - الثناء والمدح - تقارب، وأبقى على التفريق بينهما توسط الحمد بين المدح الذي هو أوسع منه فصار نتيجة له، وبين الشكر الذي هو أخص منه فصار لازما له (٧)، قال ابن عطية عن الحمد: «وهو أعم من الشكر، لأن الشكر إنما يكون على فعل جميل يسدى


(١) مفردات معاني ألفاظ القرآن ص ٢٥٦.
(٢) ذكره عنه ابن الجوزي في زاد المسير ص ١٠٩١.
(٣) ذكره عنه ابن الجوزي في زاد المسير ص ١٠٩١.
(٤) جامع البيان ٢١/ ٣٧. معالم التنزيل ص ١٠٠٤. الكشاف ٣/ ٤٧٧. المحرر الوجيز ٤/ ٣٣٢. الجامع لأحكام القرآن
١٤/ ١١. البحر المحيط ٨/ ٣٨١. تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٥/ ٨٠.
(٥) الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ١١.
(٦) المحرر الوجيز ٤/ ٣٣٢. البحر المحيط ٨/ ٣٨١. تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٥/ ٨٠.
(٧) مفردات ألفاظ القرآن ص ٢٥٦.

<<  <   >  >>