للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث السادس: دراسة وجوه الكلمات القرآنية الواردة على حرف السين.]

وفيه مطلبان:

[المطلب الأول: دراسة وجوه كلمة السحر]

[باب السحر]

قال ابن الجوزي:

«قال بعض أهل العلم: السحر: اسم لما لطف وخفي سببه. والسحر أنواع فمنه، شعبذة: كإيهام سحرة فرعون أن العصي حيات. ومنه عقد، ونفث، ورقى، وغير ذلك، وربما أثر في الماء والهواء.

وقال ابن عقيل (١) من أصحابنا: ولا ينكر أن يحدث اللَّه شيئاً عقيب شيء، من غير تولد من ذلك الشيء. كما يحدث الشفاء عند التداوي. والجرب والجذام عند مقاربة أصحاب ذلك باطراد العادة لا من طريق العدوى. وقد نقص قوم من رتبة السحر فقالت المعتزلة: ليس السحر إلاَّ الشعبذة (٢) والدهشة والنقل الصحيح يكذبهم. فإن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - " سُحر حتى كان يخيل إليه بأنه يأتي أهله فيغتسل" (٣). وقد رفعه قوم فجعلوه زائداً على المعجزات. وربما توهم جاهل أن الساحر يقلب


(١) علي بن محمد بن عقيل الفقيه البغدادي كان مولده سنة ٤٣٢ هـ وهو أبو الوفاء مات سنة ٥١٣ (لسان الميزان ٤/ ٢٤٣. طبقات الحنابلة ٢/ ٢٥٩).
(٢) المشَعبِذْ: الهازل. كالمشعوذ، قاله في المحكم والميحط الأعظم ٢٢/ ٤٣٨، وقال الخليل: ورجل مُشَعوذٌ، وفعله: الشَّعْوَذَةَ، ويقال: مشعبذ والشَّعْوذيّ: كلمة ليست كلام العرب وهي كلمة عالية، العين ٤٨٢، وقال ابن فارس: الشين والعين والذال ليس بشئ: قال الخليل: الشَّعْوَذة ليست من كلام أهل البادية، المقاييس ص ٦٠٥، وبهذا يتضح أن تلك المفردة غير عربية الأصل.
(٣) أخرجه البخاري (كتاب الطب، باب السحر، ٥/ ٢١٧٦ من حديث عائشة رضي الله عنها).
ونفي حقيقة السحر مشهور عند المعتزلة، ويردُّه سورة الفلق؛ والنفاثات: السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن، وينفثن في عُقَدهن، ولولا أن السحر له حقيقة لم يؤمر بالاستعاذة منه، ومما يدل على أن للسحر حقيقة حديث عائشة عند البخاري والذي أشار إليه ابن الجوزي وفيه: «قال: أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل قال مطبوب. قال: ومن طبه؟. قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق. قال: فيما ذا؟ قال: في مشط، ومشاطة، وجف طلعة ذكر. قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان. قال فذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أناس من =
= أصحابه إلى البئر؛ فنظر إليها وعليها نخل ثم رجع إلى عائشة فقال: والله لكأن ماءها نقاعة الحناء. ولكأن نخلها رؤوس الشياطين. قلت: يا رسول الله أفأخرجته؟ قال: لا، أما أنا فقد عافاني الله وشفاني وخشيت أن أثور على الناس منه شرا وأمر بها فدفنت»، وللاستزادة من هذه المسألة ينظر: الجامع لأحكام القرآن ٢/ ٣١، ومجموع الفتاوى ١/ ٣٦٢، و ١٣/ ٩٠، وأضواء البيان ٤/ ٥٩، وتيسير العزيز الحميد ص ٣٨٢.

<<  <   >  >>