للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصارت هاتان الطائفتان على طرفي نقيض ... وبينهما أمة الحق وجماعة الهدى أهل السنة والجماعة.

ولم يزل أقطاب أهل السنة والجماعة يكفون المبتدع، ويبينون الحق ويوضحونه.

ومن أولئك الذين ذادوا عن حياض السنة ابن القيم؛ إذ يقول عن هاتين الشبهتين:

" وقد دخل في هذه الآيات ونحوها طائفتا القدرية والجبرية فحرفتها القدرية بأنواع من التحريف المبطل لمعانيها وما أريد منها - إلى أن قال - وتأمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ماضٍ فيّ حكمك عدل فيّ قضاؤك" (١)، كيف ذكر العدل في القضاء مع الحكم النافذ، وفي ذلك رد لقول الطائفتين القدرية والجبرية فإن العدل الذي لكمال قدرة الرب وعموم مشيئته، والعدل الذي أثبته الجبرية مناف للحكمة والرحمة لحقيقة العدل، والعدل الذي هو اسمه وصفته ونعته سبحانه خارج عن هذا وهذا ولم يعرفه إلا الرسل وأتباعهم" (٢).

وقد نقل القرطبي إجماع الأمة على أن اللَّه عز وجل قد وصف نفسه بالختم على قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم (٣).

ولما كان الزَّمخشري هو عمدة المعتزلة (٤) القدرية في التفسير فقد تأول هذه الآية تأويلات كلها تدور على ذات الشبهة والخروج بتفسيرها عن تفسير السلف .. وأن القول بقولهم يستلزم منه نسبة الظلم إلى اللَّه تعالى، وأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، والعدل وضع الشيء في موضعه، وقف عليها الإمام ابن كثير ووقف مع الزَّمخشري هذه الوقفة إذ يقول:


(١) أخرجه أحمد ١/ ٣٩١، وابن حبان ٣/ ٢٥٣، برقم ٩٧٢، وأبو يعلى ٩/ ٩٨ برقم ٥٢٩٧، والحاكم في المستدرك
١/ ٩٦٠، برقم ١٨٧٧، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠/ ١٢٦، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح غير أبي سلمة الجهني وقد وثقه ابن حبان. وهو من حديث ابن مسعود.
(٢) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل لابن قيم الجوزية ١/ ٨٥ - ٨٧.
(٣) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١/ ١٨٧.
(٤) المعتزلة أصحاب واصل بن عطاء الغزال اعتزل عن مجلس الحسن البصري (التعريفات ٢٨٢)

<<  <   >  >>