للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الوجه غير صحيح في معنى الآيتين، لأن الأصل في (ثم) الترتيب مع التراخي كما دل عليه كلام الزَّجَّاجي المتقدم، وقال ابن عطية: «ثم لترتيب الأخبار لا لترتيب القصص في أنفسها» (١) وقال العُكبري: «ثم، جاءت لترتيب الخبر لا لترتيب المخبر عنه كقوله تعالى:

{ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس: ٤٦] «(٢)، ورده أيضاً ابن هشام من جهة اللغة فقال عن (ثم):» وأما الترتيب فخالف قوم في اقتضائها إياه تمسكا بقوله تعالى {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الزمر: ٦] ... والجواب عن الآية الأولى من خمسة أوجه: ... ... وذكر منها: الخامس: أن ثم لترتيب الإخبار، لا لترتيب الحكم، وأنه يقال بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب، أي ثم أخبرك أن الذي صنعته أمس أعجب، والأجوبة السابقة أنفع من هذا الجواب لأنها تصحح الترتيب والمهلة وهذا يصحح الترتيب فقط إذ لا تراخي بين الإخبارين ولكن الجواب الأخير أعم .. » (٣).

وقال الزركشي: «ثم للترتيب مع التراخي .. وقد تأتي لترتيب الأخبار لا لترتيب المخبر عنه كقوله تعالى: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس: ٤٦] .. واعلم انه بهذا التقدير، يندفع الاعتراض بأن ثم؛ قد تخرج عن الترتيب والمهلة، وتصير كالواو، لأنه إنما يتم على أنها تقتضي الترتيب الزماني لزوما، أما إذا قلنا أنها ترد لقصد التفاوت، والتراخي عن الزمان، لم يحتج إلى الانفصال عن شئ مما ذكر من هذه الآيات الشريفة، لا أن تقول إن ثم قد تكون بمعنى الواو، والحاصل أنها للتراخي في الزمان، وهو المعبر عنه بالمهلة وتكون للتباين في الصفات وغيرها من غير قصد مهلة زمانية، بل ليعلم موقع ما يعطف بها وحاله، وانه لو انفرد لكان كافيا فيما قصد فيه، ولم يقصد في هذا ترتيب زماني بل تعظيم الحال فيما عطف عليه، وتوقعه، وتحريك النفوس لاعتباره .. » (٤).


(١) المحرر الوجيز ٣/ ١٢٣.
(٢) التبيان في إعراب القرآن ١/ ٤٨.
(٣) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ١/ ١١٧ بتصرف.
(٤) البرهان في علوم القرآن ٤/ ٢٩٥ بتصرف. والزركشي: بدر الدين أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي الشافعي الإمام العلامة المصنف المحرر ولد سنة ٧٤٥ هـ وكان فقيها أصوليا أديبا فاضلا في جميع ذلك ومن مصنفاته البرهان في علوم القرآن) مات بمصر في رجب سنة ٧٩٤ هـ (شذرت الذهب ٣/ ٣٣٥. طبقات المفسرين للأدنه وي ٣٠٢)

<<  <   >  >>