للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أبرز المفسرون هذا الفرق في المواضع التي تقدم عرضها، وممن جمع بين هذين ابن عطية إذ قال: «والخزي: الفضيحة المخجلة الهادمة لقدر المرء، خَزِيَ الرجل يخزى خِزْياً، إذا افتضح، وخَزَاية إذا استحيى، الفعل واحد، والمصدر مختلف» (١).

الثاني: أن معنى الخزي واسع، ويدخل فيه كل شيء يعاقب لأجله أو يعاتب، فإن كان سببه عظيما فهو الفضيحةِ الهادمة لقدر المرء والعذاب والطرد والإذلال، وإن كان سببه أمراً طبيعياً فهو الجالب للحياء، وبهذا يتفق معنى المصدرين، ويتكامل.

والخزي في جميع الوجوه السابقة، لم يخرج عن هذين المعنيين، غير أن السياق القرآني، وموضوع الآيات التي درج فيها الخزي، يتحدد من خلالها الوجه الذي أشار إليه ابن الجوزي، وإن كان الأكثر في القرآن وروده بمعنى الفضيحة والعقوبة ونحو ذلك من عبارات المفسرين كقول القرطبي رحمه الله عند قوله تعالى: «{رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: ١٩٤] أي لا تعذبنا، ولا تهلكنا، ولا تفضحنا، ولا تهنا، ولا تبعدنا، ولا تمقتنا يوم القيامة» (٢)

وقال أبو حيان عند قوله تعالى: {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [البقرة: ٨٥]، والخزي هنا، الفضيحة، والعقوبة، والقصاص فيمن قتل، أو ضرب الجزية غابر الدهر، أو قتل قريضة وإجلاء بني النظير من منازلهم، أو غلبة العدو، أقوال خمسة ولا يتأتى القول بالجزية ولا الجلاء إلا إن حملنا الآية على الذين كانوا معاصري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأولى أن يكون المراد، هو الذم العظيم، والتحقير البالغ من غير تخصيص» (٣).

وبهذ ايتبين أن جميع الوجوه في هذا الباب، هي تفسير بالمثال للخزي، ويحدد نوعية المثال السياق الذي هو فيه.


(١) المحرر الوجيز ١/ ٥٥٦.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ٤/ ٢٠٢.
(٣) البحر المحيط ١/ ٤٧٢.

<<  <   >  >>