للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويشهد له حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ... - صلى الله عليه وسلم -: احتجت النار والجنة؛ فقالت هذه: يدخلني الجبارون والمتكبرون، وقالت هذه: يدخلني الضعفاء والمساكين؛ فقال الله عز وجل لهذه: أنت عذابي أعذب بك من أشاء، وربما قال أصيب بك من أشاء، وقال لهذه: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها». (١)

تنبيه:

لإن كان رأي ابن الجوزي صحيحا في هذا الوجه من تفسير الرحمة بالجنة، وتفسيره في وجه آت للرحمة بالمغفرة - لأنهما من لوازم صفة الرحمة لله تعالى - فكان الأولى به رحمه الله أن يجعل من هذين الوجهين صفة الرحمة لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته، وذلك أن الرحمة المضافة إلى الله تعالى على شقين، فمنها ما هو مخلوق ومنها ما هو صفة لله تعالى، وبَيَّن ابن القيم موقف هل السنة والجماعة من آيات الرحمة في القرآن والسنة وأنها تنقسم إلى قسمين؛ فقال: «فصل: الرحمة المضافة إلى الله، اعلم أن الرحمة المضافة إلى الله تعالى نوعان؛ أحدهما: مضاف إليه إضافة مفعول إلى فاعله، والثاني: مضاف إليه إضافة صفة إلى الموصوف بها؛ فمن الأول قوله في الحديث الصحيح احتجت الجنة والنار فذكر الحديث وفيه فقال للجنة إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء؛ مخلوقة مضافة إليه إضافة المخلوق بالرحمة إلى الخالق تعالى؛ وسماها رحمة لأنها خلقت بالرحمة وللرحمة وخص بها أهل الرحمة وإنما يدخلها الرحماء ومنه تسميته تعالى للمطر، وهذا بخلاف قول الداعي: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فإن الرحمة هنا صفته تبارك وتعالى وهي متعلق الاستغاثة، فإنه لا يستغاث بمخلوق ولهذا كان هذا الدعاء من أدعية الكرب لما تضمنه من التوحيد والاستغاثة برحمة أرحم الراحمين .. والمقصود أن الرحمة المستغاث بها هي صفة الرب تعالى لا شيء من مخلوقاته». (٢)

وقال ابن عثيمين: «قوله تعالى: {أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة: ٢١٨].

والمراد بالرحمة هنا يحتمل أن تكون الرحمة التي هي صفته - أي أن يرحمهم -؛ ويحتمل أن يكون المراد ما كان من آثار رحمته؛ وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى قال للجنة:» أنت رحمتي أرحم بك من أشاء» فجعل المخلوق رحمة له؛ لأنه من آثار رحمة الله؛ ولهذا قال: «أرحم بك «؛ أما الرحمة التي


(١) أخرجه مسلم ٤/ ٢١٨٦، برقم ٢٨٤٦.
(٢) بدائع الفوائد ٤٠٩ بتصرف.

<<  <   >  >>