وقد حرر هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية حيث أشار إلى أن هذا هو الموضع الأوحد الذي اختلف في السلف، وفرق بينهم وبين فرق الضلال فقال:«وأما الذي أقوله الآن وأكتبه وإن كنت لم أكتبه فيما تقدم من أجوبتي وإنما أقوله فى كثير من المجالس، أن جميع ما في القرآن من آيات الصفات فليس عن الصحابة اختلاف في تأويلها، وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة وما رووه من الحديث ووقفت من ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار أكثر من مائة تفسير، فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد من الصحابة أنه تأوّل شيئا من آيات الصفات أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف، بل عنهم من تقرير ذلك وتثبيته وبيان أن ذلك من صفات الله ما يخالف كلام المتأولين ما لا يحصيه إلا الله، وكذلك فيما يذكرونه آثرين وذاكرين عنهم شيئاً كثيراً، وتمام هذا أنى لم أجدهم تنازعوا إلا فى مثل قوله تعالى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}[القلم: ٤٢]. فروى عن ابن عباس وطائفة أن المراد به الشدة، أن الله يكشف عن الشدة في الآخرة. وعن أبى سعيد وطائفة أنهم عدوها في الصفات، للحديث الذي رواه أبو سعيد في الصحيحين، ولا ريب أن ظاهر القرآن لا يدل على أن هذه من الصفات فإنه قال يوم يكشف عن ساق نكرة في الإثبات لم يضفها إلى الله ولم يقل عن ساقه فمع عدم التعريف بالإضافة لا يظهر أنه من الصفات إلا بدليل آخر، ومثل هذا ليس بتأويل إنما التأويل صرف الآية عن مدلولها ومفهومها ومعناها المعروف، ولكن كثير من هؤلاء يجعلون اللفظ على ما ليس مدلولا له ثم يريدون صرفه عنه ويجعلون هذا تأويلا»(١).
وحيث إن لفظ (الساق) في الآية غير مضاف، فالدليل الآخر بين أيدينا وهو في الصحيحين، وخير ما فُسِّر به القرآن بعد القرآنِ السنةُ الثابتة عن رسول الله - عليه السلام -.
ويذكر ابن القيم نحو ما ذكره ابن تيمية ويرجح أن المراد بالآية الصفة، ويحرر هذا المعنى من حيث اللغة تحريراً بديعاً فيقول: «والذين أثبتوا أن ذلك صفة كاليدين والإصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر
(١) الفتاوى ٦/ ٣٩٤. وابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن القاسم بن تيمية، الحرانى الدمشقى الحنبلى تقى الدين أبو العباس شيخ الإسلام إمام الأئمة المجتهد المطلق ولد سنة ٦٦١ هـ قال الحافظ المزى: ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه، له مؤلفات ورسائل كثيرة منها (الجواب الصحيح) مات سنة ٧٢٨ هـ (الدرر الكامنة ١/ ١٦٨. البدر الطالع ١/ ٦٣).