أربعة عمد: اثنان في مقابلة اثنين؛ وكان قرّة قد أذهب رءوسها، ولم يكن في المسجد عمد مذهبة غيرها، وكانت قديما [حلقة أهل المدينة «١» ] ثم زوق أكثر العمد وطوق في أيام الإخشيد سنة أربع وعشرين وثلثمائة، ولم يكن للمسجد أيام قرة غير هذا المحراب.
فأما المحراب الأوسط فيعرف بمحراب عمر بن مروان أخي عبد الملك بن مروان الخليفة، ولعله أحدثه في الجدار بعد قرة؛ وذكر قوم أن قرة عمل هذين المحرابين، وصار للجامع أربعة أبواب في شرقيه، آخرها باب إسرائيل، وهو باب النحاسين؛ وفي غربيه أربعة أبواب شارعة في زقاق يعرف بزقاق البلاط؛ وفي بحريه ثلاثة أبواب. انتهى ما أوردناه من أمر جامع عمرو بن العاص المذكور رضى الله عنه.
*** وأما بناء عمرو بن العاص لبيت المال بالفسطاط- فالأصح أنما بناه أسامة بن زيد التنوخي متولي الخراج بمصر في سنة سبع وتسعين في خلافة سليمان بن عبد الملك بن مروان، وأمير مصر يوم ذاك عبد الملك بن رفاعة الآتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. وقد خرجنا عن المقصود لطلب الفائدة ونعود إلى ذكر عمرو بن العاص رضي الله عنه.
قيل: إنه رئي وهو على بغلة هرمة، وهو إذ ذاك أمير مصر، فقيل له: أتركب هذه وأنت أمير مصر؟ فقال: لا ملل عندي لدابتي ما حملتني، ولا لامرأتي ما أحسنت عشرتي، ولا لصديقي ما حفظ سري؛ إن الملل من كواذب الأخلاق.