ولمّا ولى المعتصم وكثرت مماليكه صاروا يؤذون الناس، فكانوا يطردون خيلهم الى بغداد فيصدم أحدهم المرأة والشيخ الكبير والصغير، فعظم ذلك على أهل بغداد فكلّموا المعتصم، كما تقدّم ذكره، فعزم على التحوّل من بغداد، فخرج من بغداد وتنقّل على دجلة والقاطول، وهو نهر منها، فانتهى الى موضع فيه دير لرهبان؛ فرأى فضاء واسعا جدّا والهواء طيّبا فاستمرأه وتصيّد به ثلاثا، فوجد نفسه يطلب أكثر من أكله، فعلم أن ذلك لتأثير الهواء والتّربة والماء؛ فاشترى من أهل الدّير أرضهم بأربعة آلاف دينار وأسّس قصره بالوزيرية التى ينسب اليها التّين الوزيرىّ، وجمع الفعلة والصّنّاع من الممالك، ونقل اليها أنواع الأشجار والغروس، واختطّت الخطط والدّروب، وجدّوا فى بنائها، وشيّدت القصور، واستنبطت اليها المياه من دجلة وغيرها؛ وتجامع الناس بها فقصدوها وسكنوها، فكثرت بها المعايش الى أن صارت من أعظم البلدان.
وفيها ظهر إبراهيم النّظّام وقرّر مذهب الفلاسفة وتكلّم فى القدر فتبعه خلق.
وفيها حجّ بالناس صالح بن العبّاس بن محمد بن على العباسىّ. وفيها توفى خلف بن أيوب أبو سعيد العامرىّ البلخىّ الامام الفقيه الحنفىّ مفتى أهل بلخ وخراسان، وكان إماما زاهدا ورعا؛ أخذ الفقه عن القاضى أبى يوسف يعقوب وابن أبى ليلى، وأخذ الزهد عن إبراهيم بن أدهم. وانتهت اليه رياسة المذهب فى زمانه، رحمه الله تعالى. وفيها توفى سليمان بن داود بن علىّ بن عبد الله بن العبّاس الأمير أبو أيوب الهاشمىّ العبّاسىّ، كان صالحا زاهدا عفيفا جوادا. قال الشافعىّ: ما رأيت أعقل