قلت: وقد أفسد بابك هذا فى مدّة عصيانه مدنا كثيرة وأخرب عدّة حصون وأباد العالم، وعجزت الخلفاء والملوك عنه لفراره؛ وطالت أيامه نحو العشرين سنة أو أكثر.
وفيها بنى المعتصم مدينة سرّ من رأى وسكنها، وهى التى تسمّى أيضا سامرّا.
وسبب بنائه لهذه المدينة كثرة مماليكه الأتراك، لأنهم كثروا وتولّعوا بحرم الناس، فشكا أهل بغداد ذلك للمعتصم وقالوا له: تحوّل عنّا وإلا قاتلناك؛ قال: وكيف تقاتلونى وفى عسكرى ثمانون ألف دارع «١» ! قالوا: نقاتلك بسهام الليل- يعنون الدعاء- فقال المعتصم: والله مالى بها طاقة، فبنى لذلك سرّ من رأى وسكنها.
وفيها أسر عجيف جماعة من الزّطّ وقدم بهم بغداد، وكانت عدّتهم سبعة وعشرين ألفا؛ المقاتلة منهم اثنا عشر ألفا. قاله صاحب المرآة.
وفيها غضب المعتصم على وزيره الفضل بن مروان وصادره وأخذ منه أموالا عظيمة تفوق الوصف، حتى قيل: إنه أخذ منه عشرة آلاف ألف دينار، واستأصله وأهل بيته ونفاه الى قرية بطريق الموصل؛ وولّى بعده الوزارة محمد بن عبد الملك ابن الزيّات.
وفيها اعتنى المعتصم باقتناء الترك، فبعث الى سمرقند وفرغانة والنواحى لشرائهم وبذل فيهم الأموال وألبسهم أنواع الدّيباج ومناطق الذهب، وأمعن فى شرائهم حتى بلغت عدّتهم ثمانية آلاف مملوك، وقيل: ثمانية عشر ألفا، وهو الأشهر؛ ولأجلهم بنى مدينة سامرّا، كما تقدّم ذكره.