السنة الثامنة والعشرون من ولاية الملك الناصر محمد الثالثة على مصر، وهى سنة سبع وثلاثين وسبعمائة.
فيها توفّى الأمير عزّ الدين «١» أيدمر الخطيرىّ المنصورىّ أحد أمراء الألوف بالديار المصرية فى يوم الثلاثاء أوّل شهر رجب بالقاهرة. وأصله من مماليك الخطير الرومىّ والد أمير مسعود، ثم انتقل إلى ملك المنصور قلاوون، فرقّاه حتى صار من أجلّ الأمراء البرجيّة. ثم ترقّى فى الدولة الناصريّة وولى الأستادارية. ثم وقع له أمور، وقبض عليه السلطان الملك الناصر محمد فى سلطنته الثالثة، ثم أطلقه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة [ألف «٢» ] وزيادة إمرة عشرين فارسا، وصار معظّما عند الناصر، ويجلس رأس الميسرة، وبقى أكبر أمراء المشورة. وكان لا يلبس قباء مطرّزا ولا يدع عنده أحدا يلبس ذلك. وكان أحمر الوجه منوّر الشيبة كريما جدّا واسع النّفس على الطعام. حكى أن أستاداره قال له يوما: يا خوند، هذا السّكّر الذي يعمل فى الطعام ما يضرّ أن نعمله غير مكرر؟ فقال: لا، فإنه يبقى فى نفسى أنه غير مكرر فلا تطيب. ولمّا مات خلّف ولدين أميرين: أمير علىّ وأمير محمد. وهو من الأمراء المشهورين بالشجاعة والدين والكرم، وهو الذي عمر الجامع «٣» برملة بولاق على شاطئ النيل والرّبع المشهور، وغرم عليه جملة مستكثرة، فلمّا تم أكله البحر ورماه، فأصلحه وأعاده فى حياته. وقد تقدّم ذكر بنائه لهذا الجامع فى أصل ترجمة الملك الناصر، وسبب مشتراه لموضع الجامع المذكور وتاريخ بنائه.