السنة السادسة من سلطنة الملك الأشرف برسباى «١» على [مصر]«٢»
وهى سنة ثلاثين وثمانمائة.
[فيها]«٣» توفى الشيخ الإمام المعتقد زاهد وقته وفريد عصره، أحمد بن إبراهيم ابن محمد اليمنى الأصل الرومى البرصاوي «٤» المولد والمنشأ، المصرى الدار والوفاة، المعروف بابن عرب الحنفى، فى ليلة الأربعاء ثانى شهر ربيع الأول بخلوته بخانقاه شيخون، فغسّل بها وحمل إلى مصلاة المؤمنى على رؤوس الأصابع، [٥٠] ونزل السلطان [الملك]«٥» الأشرف وحضر الصلاة عليه، وأمّ بالناس قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى الحنفى، ثم حمل وأعيد إلى الشيخونية فدفن بها؛ وكان له مشهد عظيم إلى الغاية، وأبيع بعده ما كان عليه من الثياب بأثمان غالية للتبرك بها.
قلت: وابن عرب هذا أعظم من أدركناه من العبّاد الزهاد فى الدنيا وعدم الاجتماع بالملوك ومن دونهم، والاقتصار فى المأكل والملبس؛ وكان أولا ينسخ للناس بالأجرة، وهو مكب على طلب العلم والعبادة سنين طويلة، إلى أن استقر من جملة صوفية خانقاه شيخون «٦» ، بمبلغ ثلاثين درهما [فى]«٧» الشهر «٨» ، فتعفّف بذلك عن النسخ، وانقطع عن مجالسة الناس، وسكن بخلوة فى الخانقاه المذكورة وأعرض عن كل أحد، وأخذ فى الاجتهاد فى العبادة، واقتصر على ملبس خشن حقير إلى الغاية، وصار يقنع بيسير القوت ولا ينزل من خلوته إلا ليلا لشراء قوته،