السنة الثامنة من سلطنة الملك الأشرف إينال على مصر وهى سنة أربع وستين وثمانمائة.
فيها توفى الشيخ الإمام المحقق الفقيه العلامة جمال الدين محمد بن أحمد المحلى الشافعى المصرى بالقاهرة في يوم الأحد مستهل المحرم، وسنه نحو السبعين تخمينا، وكان إماما علامة متبحرا في العلوم، كان بارعا في الفقه والأصلين والعربية وعلمى المعانى والبيان، وأفتى ودرس عدة سنين، وانتفعت الطلبة به، وله عدّة مصنفات، ولم يكمل بعضها، ورشح لقضاء الديار المصرية غير مرة، وكان في طباعه حدّة، مع عدم التكلف في ملبسه ومركبه إلى الغاية، بحيث إنه كان إذا رآه من لا يعرفه يظنه من جملة العوام- رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير سيف الدين قيز طوغان العلائى الأستادار، ثم نائب ملطية، ثم أتابك حلب، ثم أحد أمراء دمشق- بطالا- بدمشق بالطاعون وقد شاخ، فى العشر الأوسط من محرم، وكان من عتقاء الأمير علّان شلق الظاهرى، وخدم بعده عند الملوك إلى أن اتصل بخدمة السلطان، وصار في دولة المؤيد شيخ رأس نوبة الجمدارية دهرا طويلا، إلى أن تأمر عشرة في دولة الملك الظاهر جقمق، وصار أمير آخور ثالثا، ثم ولى الأستادارية بعد عزل الناصرى محمد بن أبى الفرج، فباشر أشهرا، ثم عزل وأخرج إلى البلاد الشامية، وتنقل فيها إلى ما أشرنا إليه، ثم حجّ [وسافر أمير]«١» حاج المحمل الشامى، فوقع منه بالمدينة الشريفة ما أوغر خاطر السلطان عليه، وأمسك بعد عوده وحبس مدة بقلعة دمشق أو غيرها، ثم أطلق ودام بطالا إلى أن مات.
وكان أميرا جليلا عارفا شجاعا مقداما، وفيه حشمة وأدب ومكارم «٢» - رحمه الله تعالى.