السنة التى حكم فيها علىّ بن يحيى الأرمنىّ فى ولايته الثانية على مصر وهى سنة خمس وثلاثين ومائتين- فيها ألزم الخليفة المتوكّل على الله النصارى بلبس العسلىّ.
وفيها ظهر رجل بسامرّاء يقال له محمود بن الفرج النّيسابورىّ، وزعم أنه ذو القرنين، وكان معه رجل شيخ يشهد أنّه نبىّ يوحى إليه، وكان معه كتاب كالمصحف، فقبض عليهما وعوقب محمود المذكور حتى مات تحت العقوبة، وتفرّق عنه أصحابه.
وفيها عقد المتوكّل لبنيه الثلاثة وقسم الدنيا بينهم، وكتب بذلك كتابا، كما فعل جدّه هارون الرشيد مع أولاده؛ فأعطى المتوكّل ابنه الأكبر محمّدا المنتصر من عريش مصر الى إفريقيّة المغرب كلّه الى حيث بلغ سلطانه، وأضاف اليه جند قنّسرين والعواصم والثغور الشاميّة والجزيرة وديار بكر وربيعة والموصل والفرات وهيت وعانة والخابور ودجلة والحرمين واليمن واليمامة وحضر موت والبحرين والسّند وكرمان وكور الأهواز وما سبذان ومهرجان وشهرزور وقمّ وقاشان وقزوين والجبال؛ وأعطى ابنه المعتزّ بالله- واسمه الزبير وقيل محمد- خراسان وطبرستان وما وراء النهر والشرق كلّه؛ وأعطى ابنه المؤيّد بالله إبراهيم إرمينية وأذربيجان وجند دمشق والأردنّ وفلسطين.
وفيها توفى إسحاق بن إبراهيم بن ميمون، أبو محمد التّميمىّ، ويعرف والده بالموصلىّ النديم، وقد تقدّم ذكره فى ولاية الرشيد هارون. وولد إسحاق هذا سنة خمسين ومائة، وكان إماما عالما فاضلا أديبا أخباريا؛ وكان بارعا فى ضرب العود وصنعة الغناء، فغلب عليه ذلك حتى عرف بإسحاق المغنّى، ونال بذلك عند الخلفاء من الرتبة ما لم ينله غيره، وهو مصنّف كتاب الأغانى «١» .