السنة الثالثة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة أربع وأربعين وثمانمائة.
فيها توفى الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير صارم الدين إبراهيم، ابن الأمير الوزير منجك اليوسفى بدمشق، فى يوم الأحد خامس عشر شهر ربيع الأول، وهو فى عشر السبعين. وكان مولده بدمشق، وأعطى بها إمرة فى دولة الملك المؤيّد شيخ، وحظى عنده إلى الغاية، ثم صار على منزلته فى الرفعة وأعظم عند الملك الأشرف برسباى، حتى أنه كان يجلس فوق أمير سلاح، وكان إذا حضر مجلس السلطان لا يتكلم السلطان مع غيره إلا لحاجة، إجلالا له؛ وكان يقدم القاهرة فى كل سنة مرة فى مبادئ فصل الشتاء، ثم يعود إلى دمشق فى مبادئ فصل الصيف؛ وفى الجملة: أنه كان محظوظا من الملوك إلى الغاية من غير أمر يوجب ذلك. وقد حاضرته كثيرا فى مبادئ عمرى، فلم أجد له معرفة بعلم من العلوم، ولا فن من الفنون، غير لعب الكرة وأنواع الصيد بالجوارح فقط، والمال الكثير مع بخل وشح زائد يضرب به المثل؛ وكنت أراه يكثر السكوت؛ فأقول:«هذا لغزير عقله»«١» ، وإذا به من قلة رأس ماله.
وقد حكى لى عنه بعض أكابر أعيان المملكة، قال: لما خرج قانى باى نائب الشأم عن طاعة المؤيّد، وعلم بذلك أعيان أهل دمشق، اجتمعوا بمكان يشتورون فيما يفعلون، لئلا يقبض عليهم قانى باى المذكور، وهم مثل القاضى: نجم الدين بن حجّىّ، والقاضى شهاب الدين بن الكشك، والشريف شهاب الدين، وخواجه شمس الدين ابن المزلق، وابن مبارك شاه، وابن منجك، وجماعة أخر من الأمراء وغيرهم، فأخذ ابن منجك يتكلم، فقال له القاضى شهاب الدين بن الكشك، متهكما عليه فى الباطن: