وتركها خرابا يبابا من كثرة الفتن والمصادرات. قلت: وأمر محمد هذا من العجائب، فإنّه أراد أخذ ثأر بنى طولون والانتصار لهم غيرة على ما وقع من محمد بن سليمان الكاتب من إفساده الدّيار المصريّة، فوقع منه أيضا أضعاف ما فعله محمد بن سليمان الكاتب، وكان حاله كقول القائل:
رام نفعا وضرّ من غير قصد ... ومن البرّ ما يكون عقوقا
ذكر عود عيسى النوشرىّ إلى مصر
دخلها بعد اختفاء محمد بن علىّ الخلنجىّ بيومين، وذلك في خامس شهر رجب سنة ثلاث وتسعين ومائتين، ثم دخل فاتك بعساكره إلى مصر في يوم عاشر رجب، وتسلّم الخلنجىّ وأرسله في البحر لست خلون من شعبان ووقع ما حيكناه في ترجمته من قتله وتشهيره «١» . وأما عيسى النوشرىّ فإنه ابتدأ في أوّل شهر رمضان بهدم ميدان أحمد بن طولون، وبيعت أنقاضه بأبخس ثمن، وكان هذا الميدان وقصوره من محاسن الدنيا. وقد تقدّم ذكر ذلك في عدّة أماكن في ترجمة ابن طولون وابنه خمارويه وغير ذلك. ودام فاتك بالديار المصريّة إلى النصف من جمادى الأولى سنة أربع وتسعين ومائتين [و] خرج منها إلى العراق. ثم أمر الأمير عيسى النوشرىّ بنفى المؤنّثين من مصر، ومنع النّوح والنداء على الجنائز، وأمر بإغلاق المسجد الجامع فيما بين الصلاتين، ثم أمر بفتحه بعد أيّام؛ ثم ورد عليه الخبر بموت الخليفة المكتفى بالله علىّ في ذى القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين؛ فلما يمع الجند بموت الخليفة شغبوا على عيسى النوشرىّ وطلبوا منه مال البيعة بالخلافة للمقتدر جعفر، وظفر النوشرىّ بجماعة منهم؛ ولما استقرّ المقتدر في الخلافة أقرّ عيسى هذا على عمله بمصر.