السنة الرابعة من ولاية الفائز بنصر الله على مصر وهى سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة.
فيها جمع الملك محمد شاه بن محمود شاه بن محمد شاه بن ملك شاه السّلجوقىّ التركمان والأكراد وسار حتّى قارب بغداد، وبعث إلى الخليفة المقتفى يطلب منه الخطبة والسلطنة، فقيل له: السلطان هو سنجر شاه بن ملكشاه عمّ أبيك، وأنتم مختلفون.
فلم يلتفت محمد شاه حتّى قدم بغداد وحصرها، ووقع له بها أمور؛ وطال الأمر بينهم إلى أن رحل منها إلى جهة همذان.
وفيها كانت زلازل عظيمة بالشأم وحلب وحماة وشيزر وغالب بلاد الشام والشرق، وهلك خلق كثير، حتّى حكى أن معلّما كان بحماة فى كتّاب، فقام من المكتب يقضى حاجة ثم عاد وقد وقع المكتب على الصبيان فماتوا بأسرهم. والعجب أنه لم يأت أحد يسأل عن صبىّ منهم بل جميع آبائهم ماتوا أيضا تحت الهدم فى دورهم. ووقعت أبراج قلعة حلب وغيرها، وهلك جميع من كان فى شيزر إلا امرأة واحدة وخادما. وساخت قلعة فامية، وانشقّ تلّ حرّان نصفين، وظهر فيه بيوت وعمائر قديمة. وانشقّ فى اللّاذقيّة موضع ظهر فيه صنم قائم فى الماء، وخربت صيداء وبيروت وطرابلس وعكّا وصور وجميع قلاع الفرنج. وعمل شعراء ذلك العصر فى هذه الزلزلة أشعارا كثيرة.
وفيها ملك الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى بن آق سنقر المعروف بالشهيد حصن شيزر، وزال ملك بنى منقذ عنها بعد أن ملكوها سنين كثيرة.