هو كيدر واسمه نصر بن عبد الله وكيدر شهرة غلبت عليه، الأمير أبو مالك الصّغدىّ؛ ولى إمرة مصر بعد عزل عيسى بن منصور فى صفر سنة سبع عشرة ومائتين من قبل المأمون على الصلاة فسكن المعسكر على عادة الأمراء بعد رحيل المأمون، وجعل على شرطته ابن «١» إسبنديار. ثم بعث المأمون برجل من العجم يسمى بابن بسطام على الشّرطة فولى مدّة ثم عزله كيدر لسوء سيرته لرشوة ارتشاها وضربه بالسوط فى صحن الجامع، ثم ولّى ابنه المظفّر عوضه. ودام كيدر على إمرة مصر الى أن ورد عليه كتاب المأمون فى جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة ومائتين بأخذ «٢» الناس بالمحنة- أعنى بالقول بخلق القرآن- وكان القاضى بمصر يومئذ هارون بن عبد الله الزهرىّ، فأجاب القاضى والشهود، ومن توقّف منهم عن القول بخلق القرآن سقطت شهادته. وأخذ كيدر يمتحن القضاة وأهل الحديث وغيرهم، وكان كتاب المأمون الى كيدر يتضمّن ذلك:«وقد عرف أمير المؤمنين أنّ الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو «٣» الرعية وسفلة العامّة ممن لا نظر له ولا رويّة ولا استضاءة بنور العلم وبرهانه، أهل جهالة بالله وعمى عنه، وضلالة عن حقيقة دينه، وقصور أن يقدروا الله حقّ قدره، ويعرفوه كنه معرفته، ويفرّقوا بينه وبين خلقه؛ وذلك أنهم ساووا بين الله «٤» وبين ما أنزل من القرآن، فأطبقوا على أنه قديم لم يخلقه الله ويخترعه؛ وقد قال تعالى: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا
، وكلّ ما جعله فقد خلقه؛ كما قال تعالى: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ
؛ وقال تعالى: كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ