تخت الملك ويده ممدودة بالإحسان لكل أحد، حتى أنه ترقى فى أيامه إلى الوظائف السنية والإقطاعات الهائلة جماعة من الأوباش لم يكن لهم ذكر بين الناس قبل ذلك، وفيهم من لم أره قبل تاريخه ولا أعرف شكله جملة كافية، وصار منهم السقاة، ورؤوس نوب الجمداريّة، وبجمقداريّة، وسلاح دارية، وغير ذلك، وأثرى «١» منهم جماعة ممن كان غالب معيشته بالشحاذة والتّكدّى، لكثرة ما أغدق عليهم [الملك]«٢» الظاهر جقمق بالعطاء، وصار ينعم عليهم بالأقمشة الفاخرة، حتى أنه وهب لبعضهم الكوامل المخمل المنقوشة بأطواق السّمّور وبالطرز الزركش العريضة، وهو مستمر على ما هو عليه ليوم تاريخه؛ فلما وقف على الكتب قال: هذه مفتعلة، ولم ينتقم على أحد، وأخذ فيما هو فيه من تجهيز العساكر.
[فرار الملك العزيز]
ثم أصبح من الغد فى يوم الاثنين سلخه عملت الخدمة بالقصر على العادة، وبينما هو فى ذلك بلغه من الأمير قراخجا الحسنى رأس نوبة النوب فرار الملك العزيز يوسف من محبسه بدور قلعة الجبل- أعنى سكنه، فإنه كان سكن بقاعة البربرية «٣» من الحريم السلطانى- فاستبعد السلطان ذلك وندب بعض خواصه أن يتوجه إلى الأمير فيروز الزمام ويسأله عن صحة هذا الخبر، فمضى المذكور لفيروز وسأله عن لسان السلطان فأنكر فيروز ذلك، ودخل من وقته فلم يجد العزيز فى مكانه، ووجد نقبا بقاعة البربرية يتوصل منه إلى المطبخ السلطانى فعاد القاصد بصحة الخبر على السلطان. فلما تحقق السلطان ذهاب [الملك]«٤» العزيز كادت روحه أن تزهق، وعظم عليه الخبر، ونسى ما كان فيه من أمر إينال الجكمى وتغرى برمش، وعرّف السلطان الأمراء