السنة الثامنة من ولاية صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة أربع وسبعين وخمسمائة.
فيها جرى بحث فى مجلس ظهير الدين بن العطّار [صاحب المخزن «١» ] ، فى قتال «٢» عائشة لعلىّ. فقال ابن البغدادىّ الحنفىّ: كانت عائشة باغية على علىّ، فصاح عليه ابن العطّار وأقامه من مكانه وأخبر الخليفة، فجمع الفقهاء وسأل: ما يجب عليه؟ فقالوا: يعزّر. فقال ابن الجوزىّ: لا يجب عليه التعزير، لأنّه رجل ليس له علم بالنّقل، وقد سمع أنّه جرى قتال ولم يعلم أنّ السفهاء أثاروه بغير رضا الفريقين، وتأديبه «٣» العفو عنه، فأطلق.
وفيها توفّى سعد بن محمد بن سعد أبو الفوارس شهاب الدين [بن «٤» ] الصّيفىّ التّميمىّ، المعروف بالحيص بيص، كان شاعرا فاضلا، مدح الخلفاء والوزراء والأكابر، وله ديوان شعر، وكانت وفاته ببغداد فى شعبان. وسبب تسميته بالحيص بيص أنّه رأى الناس فى يوم حركة فقال: ما للناس فى حيص بيص! فغلب عليه هذا اللّقب. ومعنى هاتين الكلمتين: الشدّة والاختلاط. تقول العرب: وقع الناس فى حيص بيص [أى «٥» فى شدّة واختلاط] . ومن شعر الحيص بيص- رحمه الله وعفا عنه-:
لم ألق مستكبرا إلّا تحوّل لى ... عند اللقاء له الكبر الذي فيه
ولا حلا لى من الدنيا ولذّتها ... إلّا مقابلتى للتّيه بالتّيه