[ذكر قتلة الخواجا نور الدين على التبريزى العجمى المتوجه برسالة الحطى ملك الحبشة إلى ملوك الفرنج]
ولمّا كان يوم الثلاثاء رابع عشرين جمادى الأولى من سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة استدعى السلطان قضاة الشرع الشريف إلى بين يديه فاجتمعوا، وندب السلطان قاضى القضاة شمس الدين محمدا البساطىّ المالكى للكشف عن أمره وإمضاء حكم الله فيه، وكان التّبريزى مسجونا فى سجن السلطان، فنقله القاضى من سجن السلطان إلى سجنه، وادّعى عليه بالكفر وبأمور شنيعة، وقامت عليه بينة معتبرة بذلك، فحكم بإراقة دمه، فشهّر فى يوم الأربعاء خامس عشرين جمادى الأولى المذكورة على جمل بالقاهرة ومصر وبولاق، ونودى عليه: هذا جزاء من يجلب السلاح إلى بلاد العدوّ، ويلعب بالدّينين، وصار وهو راكب الجمل يتشاهد ويقرأ القرآن ويشهد الناس أنه باق على دين الإسلام، والخلق صحبته أفواجا، ومن الناس من يبكى لبكائه، وهم العامة الجهلة، والذي أقوله فى حقه: إنه كان زنديقا ضالّا مستخفّا بدين الإسلام، ولا زالوا به إلى أن وصلوا إلى بين القصرين فأنزل عن الجمل وأقعد تحت شبّاك المدرسة الصالحية وضربت عنقه فى الملإ من الخلائق التى لا يعلم عددها إلا الله تعالى- فنسأل الله السلامة فى الدين، والموت على الإسلام.
وكان خبر هذا التّبريزىّ أنه كان أوّلا من جملة تجّار الأعاجم بمصر وغيرها، وكان يجول فى البلاد بسبب المتجر على عادة التجار، فاتّفق أنه توجّه إلى بلاد الحبشة فحصل له بها الرّبح الهائل المتضاعف، وكان فى نفسه قليل الدين مع جهل وإسراف فطلب الزيادة فى المال، فلم يرم بوصله إلى مراده إلا أن يتقرّب إلى الحطىّ ملك الحبشة بالتحف، فصار يأتيه بأشياء نادرة لطيفة؛ من ذلك أنه صار يصنع له الصّلبان من الذّهب المرصّع بالفصوص الثمينة، ويحملها إليه فى غاية الاحترام والتّعظيم كما هى عادة النّصارى