ذلك بمدّة يسيرة ورد كتاب الخليفة بخبر ولاية الأمير محمد بن طغج على مصر وعزل أحمد بن كيغلغ هذا عنها، وأن محمد بن طغج واصل اليها عن قريب. فأنكر ابن كيغلغ ذلك وتهيّأ لحربه وجهّز إليه عساكر مصر ليمنعوه من الدخول إلى الفرما. فأقبلت مراكب محمد بن طغج من البحر إلى تنّيس، وسارت مقدّمته في البر؛ والتقوا مع عساكر أحمد بن كيغلغ؛ فكانت بينهم وقعة هائلة وقتال شديد في سابع عشر شعبان سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة؛ فانكسر أصحاب ابن كيغلغ؛ وأقبلت مراكب محمد بن طغج الى ديار مصر في سلخ شعبان؛ فسلّم أحمد بن كيغلغ الأمر الى محمد بن طغج من غير قتال واعتذر أنه ما قاتله إلا جند مصر بغير إرادته. وملك محمد بن طغج ديار مصر وهى ولايته الثانية عليها. وكانت ولاية ابن كيغلغ على مصر في هذه المرّة الثانية سنة واحدة وأحد عشر شهرا تنقص أيّاما قليلة. وأحمد بن كيغلغ هذا غير منصور بن كيغلغ الشاعر الذي من جملة شعره هذه الأبيات الخمريّة «١» :
يدير «٢» من كفّه مداما ... ألذّ من غفلة الرقيب
كأنّها إذ صفت ورقّت ... شكوى محبّ إلى حبيب
***
[ما وقع من الحوادث سنة ٣٢٢]
السنة الثانية من ولاية أحمد بن كيغلغ الثانية على مصر (أعنى بالثانية أنه حكم في الماضية أشهرا، وقد تقدّم ذكر ذلك فتكون هذه السنة هى الثانية) وهى سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة- فيها ظهرت الدّيلم عند دخول أصحاب مرداويج إلى أصبهان، وكان علىّ بن بويه من جملة أصحاب مرداويج، فاقتطع مالا جزيلا وانفرد عن مرداويج، والتقى مع ابن ياقوت فهزمه واستولى على فارس وأعمالها.