وهو أنه كان له من يوم مات [الملك]«٢» الأشرف برسباى، أخذ فى أسباب الخروج، واحترز على نفسه فى عوده صحبة العساكر إلى حلب غاية الاحتراز، حتى إنه لم يدخل حلب إلا بعد خروج العساكر المصرية منها بعد أيام، ولما دخل حلب شرع فى تدبير أمره والنظر فى ما يفعله لنفسه، ولم يكن له غرض فى طلب الملك لمعرفته أن القوم لا يرضونه لذلك، غير أنه يعلم أنهم لا يدعونه «٣» فى نيابة حلب إن أمكنهم ذلك، لكونه كان «٤» تركمانيا غير الجنس. وتحقق هذا، فأخذ فى عمل «٥» مصلحة نفسه، واستدعى أمراء التركمان للقيام معه، فأجابه جماعة كبيرة، وانضم عليه خلائق.
وكان تغرى برمش من رجال الدهر، عارفا بتدبير أموره، جيد التصرف، وعنده عقل ومكر وحدس صائب، وتدبير جيد، وهمة عالية، على أنه كان لا يعرف المسألة الواحدة فى دين الله، مع جمودة فى مجالسته وخشونة ألفاظ تظهر منه كما هى عادة أوباش التركمان، وجميع جهده ومعرفته كانت فى أمور دنياه لا غير، مع جبن وبخل، إلا فى مستحقّه.
فلما استفحل أمره بمن وافقه من أمراء التركمان فى الباطن، وبكثرة مماليكه وخدمه، مع ما كان حصّله من الأموال، وبلغه مع ذلك أن الملطّفات السلطانية وردت على أمراء حلب فى القبض عليه، رأى أنه يظهر ما استكتمه من الخروج عن الطاعة، ويملك حلب وأعمالها طول عمره، لما دبره أنه إذا غلب عليها وكثرت