هو أبو العساكر جيش بن أبى الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون. ولى مصر والشام بعد قتل أبيه خمارويه بدمشق في يوم سابع عشر ذى القعدة سنة اثنتين وثمانين ومائتين، فأقام بدمشق أيّاما ثم عاد الى ديار مصر، ودام بها الى أن وقع منه أمور أنكرت عليه فاستوحش الناس منه؛ وكان لمّا مات أبوه تقاعد عن مبايعته جماعة من كبار القوّاد لقلّة المال وعجزه عن أن ينعم «١» عليهم لأن أبا الجيش خمارويه كان أنفق في جهاز ابنته قطر الندى لما زوّجها للخليفة المعتضد جميع ما كان فى خزائنه، ومات بعد ذلك بمدّة يسيرة. قال بعضهم: فمات حقّا حين حاجته إلى الموت، لأنه لو عاش أكثر من هذا حتى يلتمس ما كانت جرت عادته به لاستصعب ذلك عليه، ولو نزلت به ملمّة لافتضح. انتهى.
ولّما تقاعد كبار القوّاد عن بيعة جيش تلطّف بعض «٢» القوّاد في أمره حتى تمّت البيعة، وبايعوه وهو صبىّ لم يؤدّبه الزمان، ولا محنه التجارب والعرفان؛ وقد قيل:«بعيد نجيب ابن نجيب من نجيب» .
فلما تمّ أمر جيش المذكور أقبل على الشّرب واللهو مع عامّة أوباش، منهم:
غلام رومىّ لا وزن له ولا قيمة يعرف ببندقوش، ورجلان من عامّة العيّارين «٣» الذين يحملون الحجارة الثّقال والعمد الحديد ويعانون الصّراع، أحدهما يعرف بخضر، والثانى يعرف بابن البوّاش، وغير هؤلاء من غلمان لم يكن لهم حال، جعلهم بطانته؛ فأوّل شىء حسّنوه له أن وثّبوه على عمّه أبى العشائر «٤» ، فقالوا له: هذا يرى نفسه أنه هو