السنة التاسعة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة خمسين وثمانمائة.
فيها توفى قاضى القضاة شمس الدين محمد بن على بن محمد بن يعقوب القاياتى، الشافعى، قاضى قضاة الديار المصرية فى العشر الأخير من المحرم، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى من تحت القلعة، ودفن بتربة الصوفية خارج باب النصر؛ وكان مولده بقايات فى سنة خمس وثمانين وسبعمائة تخمينا، ثم نقل إلى القاهرة مع والده، وحفظ عدة مختصرات، وحضر دروس شيخ الإسلام «١» السراج البلقينى فى آخر عمره، ثم تفقّه بعمّه الشيخ ناصر الدين القاياتى وبجماعة أخر، حتى برع فى الفقه والعربية والأصلين وعلمى المعانى والبيان، وشارك فى عدة فنون، وسمع الحديث فى مبدأ أمره، وحدّث ببعض مسموعاته، وتكسّب مدة سنين بتحمل الشهادة بجامع الصالح خارج باب زويلة، [إلى أن قررّ طالبا بالجامع المؤيّدى داخل باب زويلة]«٢» .
ثم ولى تدريس الحديث بالمدرسة البرقوقية، عوضا عن الشيخ زين الدين القمنى، ثم استقر فى تدريس الفقه بالمدرسة الأشرفية بخطّ العنبريّين، ثم ولى مشيخة خانقاه سعيد السعداء، بعد موت القاضى شهاب الدين بن المحمّرة، وتصدّى للإفتاء والتدريس والإقراء سنين، وانتفع به الطلبة. وكان مع براعته فى العلوم، متقشفا فى ملبسه، ومركبه، بل كان يمشى على أقدامه فى غالب أوقاته «٣» وحاجاته، إلى أن طلبه الملك جقمق ليوليه قضاء الشافعية، فطلع بحضرتى على حمار إلى باب القلعة، ثم نزل ودخل إلى السلطان، وكان السلطان يعرفه من دروس العلامة علاء الدين البخارى، فكلّمه