السلطان فى الولاية، وأنا أظن أنه لا يقبلها أبدا، فامتنع امتناعا ليس بذاك، ثم أجاب وأصبح تولّى القضاء، ونزل وبين يديه وجوه الدولة، وهو بغير خلعة بل بطيلسانه، وامتنع من لبس الخلعة، كونها تعمل من وجه غير مقبول عنده، وكان ذلك فى يوم رابع عشر محرم سنة تسع وأربعين.
ونزل إلى المدرسة الصالحية بين القصرين، وقام بعض الرسل ليدّعى على شخص، فلم يسمع دعواه، وقال:«هذه حيلة واصطلاح» . ففرح الناس بولايته، وظنوا أنه يحملهم على الحق المحض، من طريق السلف، ويحيى «١» سنة قضاة العدل، فوقع خلاف ذلك كله، وسار على طريق القوم- وأكثر- من النّوّاب، وراعى «٢» أرباب الدولة، وتعاظم، حتى فى سلامه، وحبّ المنصب حبّا، حتى لعله لو عزل منه لمات أسفا عليه؛ هذا مع ما كان عليه من العلم والعبادة والصيانة.
ولما أن خطب بالسلطان فى يوم الجمعة على عادة قضاة الشافعية، ورقى المنبر، لم يخشع أحد لخطبته لمسكة كانت فى لسانه، وعدم طلاقة، وكانت هذه عادته، حتى فى تقرير دروسه «٣» ؛ وكان يقرئ العلم على قاعدة الأعاجم من كتاب فى يده، وكان فيه بعض توسوس لا سيما فى تكرير النية عند دخوله إلى الصلاة؛ فلما ولى القضاء وخطب ونزل صلى بالسلطان، زال عنه ذلك ببركة المنصب، وأنا أقول: كانت حالته الأولى تعجبنى والناس، ولم تعجبنى أحواله بعد ولايته، رحمه الله وسامحه «٤» .
وتوفى القاضى بهاء الدين محمد بن قاضى القضاة نجم الدين عمر، بن حجى [ابن موسى]«٥» الدمشقى المولد والمنشأ، الشافعى ناظر جيش دمشق بقاعة «٦» البرابخية بخط بولاق على النيل، فى يوم ثالث عشرين صفر، وحضر السلطان الصلاة بمصلاة