فقام إليه السلطان وعانقه واعتذر إليه؛ وأمر في الحال بإحضار خچداشيته الذين أرسلهم إلى سجن الإسكندرية، وطلع النهار فخرج السلطان من القاعة إلى مقعد البحرة بالحوش السلطانى، وفعل ما أرضى به الظاهرية.
قلت: كان في تدبير الملك الظاهر في إحضار الظاهرية على الوجه المحكى وهم بالسلاح والرجال، زوال ملكه لو قدر لغيره، فإنه لما أرسل إلى الأمير قايتباى، وجاء الأمير قايتباى ومعه تلك الخلائق وعليهم السلاح، وليس عند السلطان سوى الأمراء الذين كانوا بالحوش، وليس عند الأمراء أحد من مماليكهم ولا عليهم آلة الحرب، ولا عند السلطان أيضا بالقاعة من مماليكه إلا جماعة قليلة جدا، وجميع من كان عند السلطان بأسرهم لا يقدرون على دفع بعض من كان مع الأمير قايتباى، بل لو أراد قايتباى المذكور الوثوب على الأمر والفتك بالسلطان لأمكنه ذلك، ولم أدر ما طرق السلطان من الأمر العظيم حتى فعل ذلك، وكان يمكنه أن يفعل ما شاء ولو كان ما طرقه أهم من ذلك وأعظم، وما عسى أن تصل يدهم من الفعل به من شهامة السلطنة وعز الملك وعنده أمراؤه وأعيان مملكته، ولم يملك أحد منه الزردخاناه ولا بابا من أبواب القلعة، وباب السلسلة والإسطبل السلطانى بيده، والمماليك السلطانية ملء الديار المصرية من سائر الطوائف، ولكن ليقضى الله أمرا كان مفعولا.
[ما وقع من الحوادث سنة ٨٦٨]
ثم أرسل السلطان في الحال بالإفراج عن الأمير تمربغا الظاهرى، وعن خچداشيته الذين أمسكوا معه، ومجيئهم إلى الديار المصرية بعزّ وإكرام، فأفرج عنهم وحضروا إلى الديار المصرية في يوم الاثنين خامس المحرم من سنة ثمان وستين وثمانمائة، وباتوا تلك الليلة في بيت يشبك الدّوادار، وطلعوا إلى القلعة من الغد وقبّلوا الأرض، فخلع السلطان على كل من تمربغا وأزبك كاملية بمقلب سمّور «١» ، ورسم لهم باستقرارهم على إقطاعاتهم ووظائفهم؛ لأن السلطان ما كان أخرج عن أحد منهم إقطاعه ولا وظيفته فإن غضبه عليهم كان يوما واحدا، وكذلك كان سجنهم بالإسكندرية.