الرشيد إلى مكة ومعه أولاده وأقاربه والقضاة والفقهاء والقواد، كتب كتاباً أشهد فيه على محمد الأمين من حضر بالوفاء للمأمون، وكتب كتاباً أشهد عليه فيه بالوفاء للأمين، وعلق الكتابين في الكعبة وجدد عليهما العهود في الكعبة. ولما فعل الرشيد ذلك قال الناس: قد ألقى بينهم حرباً وخافوا عاقبة ذلك، فكان ما خافوه.
ثم إن الرشيد في سنة تسع وثمانين ومائة قدم بغداد «١» وأشهد على نفسه من عنده من القضاة والفقهاء أن جميع ما في عسكره من الأموال والخزائن والسلاح وغير ذلك للمأمون وجدد له البيعة عليهم بعد الأمين. ثم بعد عود الرشيد وجه إسماعيل هذا إلى الغزو، فعاد «٢» ودام عنده إلى أن وقع ما سنذكره.
[ما وقع من الحوادث سنة ١٨٣]
السنة التي حكم فيها إسماعيل بن عيسى على مصر وهي سنة ثلاث وثمانين ومائة- فيها حج بالناس العباس بن موسى الهادي الخليفة. وفيها تمرّد متولّى الغرب محمد ابن مقاتل العكي وظلم وعسف واقتطع من أرزاق الأجناد وآذى العامة، فخرج عليه تمام بن تميم التميمي نائبه على تونس، فزحف إليه وبرز لملتقاه العكي ووقع المصاف «٣» ، فانهزم العكي وتحصّن بالقيروان في القصر وغلب تمام على البلد، ثم نزل العكي بأمان وانسحب إلى طرابلس؛ فنهض لنصرته إبراهيم بن الأغلب، فتقهقر تمام إلى تونس ودخل ابن الأغلب القيروان فصلى بالناس وخطب وحض على الطاعة؛ ثم التقى ابن الأغلب وتمام فانهزم تمام، واشتد بغض الناس للعكىّ وكاتبوا الرشيد فيه فعزله وأمّر عليهم إبراهيم بن الأغلب. وفيها توفي البهلول المجنون، واسم أبيه عمرو، وكنيته