لمّا كان يوم الخميس رابع عشر المحرّم سنة ستّ وسبعين وستمائة جلس الملك الظاهر بالجوسق الأبلق بميدان دمشق يشرب القمزّ «١» وبات على هذه الحالة، فلمّا كان يوم الجمعة خامس عشره وجد فى نفسه فتورا وتوعّكا فشكا ذلك إلى الأمير شمس الدين «٢» سنقر الألفىّ السلحدار فأشار عليه بالقىء، فاستدعاه فاستعصى عليه القىء، فلمّا كان بعد صلاة الجمعة ركب من الجوسق إلى الميدان على عادته، والألم مع ذلك يقوى عليه، وعند الغروب عاد إلى الجوسق. فلمّا أصبح اشتكى حرارة فى باطنه فصنع له بعض خواصّه دواء، ولم يكن عن رأى طبيب فلم ينجع وتضاعف ألمه، فأحضر الأطبّاء فأنكروا استعماله الدواء، وأجمعوا على استعمال دواء مسهل فسقوه فلم ينجع، فحرّكوه بدواء آخر كان سبب الإفراط فى الإسهال ودفع دما، فتضاعفت حمّاه وضعفت قواه، فتخيّل خواصّه أنّ كبده يتقطّع وأنّ ذلك عن سمّ سقيه فعولج بالجوهر، وأخذ أمره فى انحطاط، وجهده المرض وتزايد به إلى أن قضى نحبه يوم الخميس بعد صلاة الظهر الثامن والعشرين «٣» من المحرّم، فاتّفق رأى الأمراء على إخفائه وحمله إلى القلعة لئلّا تشعر العامّة بوفاته، ومنعوا من هو داخل من المماليك من الخروج ومن هو خارج منهم من الدخول. فلمّا كان آخر الليل حمله من كبار الأمراء سيف الدين قلاوون الألفىّ وشمس الدين سنقر الأشقر، وبدر الدين بيسرى، وبدر الدين بيليك الخازندار، وعزّ الدين آقوس الأفرم،