فقال عمرو: إن مثلي لا يخدع، ولكني أؤجلكما ثلاثاً، لتنظرا ولتناظرا قومكما، وإلا ناجزتكم؛ قالا: زدنا، فزادهم يوماً؛ فقالا: زدنا، فزادهم يوماً، فرجعا إلى المقوقس، فأبى أرطبون «١» أن يجيبهما، وأمر بمناهدتهم، وقال لأهل مصر: أما نحن فنجتهد أن ندفع عنكم، لا نرجع إليهم، وقد بقيت أربعة أيام؛ وأشار عليهم بأن يبيّتوا المسلمين؛ فقال الملأ منهم: ما تقاتلون من قوم قتلوا كسرى وقيصر وغلبوهم على بلادهم! فألح الأرطبون فى أن يبيّتوا المسلمين؛ ففعلوا فلم يظفروا بشيء، بل قتل منهم طائفة، منهم الأرطبون. وحاصر المسلمون عين شمس من مصر في اليوم الرابع، وارتقى الزبير عليهم سور البلد.
فلما أحسوا بذلك خرجوا إلى عمرو من الباب الآخر فصالحوه؛ واخترق الزبير البلد حتى خرج من الباب الذي عليه عمرو. فأمضوا الصلح وكتب لهم عمرو كتاب أمان:
«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم لا يدخل عليهم شيء من ذلك ولا ينتقض ولا تساكنهم النوبة. وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح وانتهت زيادة نهرهم خمسين ألف ألف، وعليهم ما جنى لصوتهم «٢» ؛ فإن أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم من الجزية بقدرهم؛ وذمتنا ممن أبى بريئة. وإن نقص نهرهم من غايته إذا انتهى رفع عنهم بقدر ذلك؛ ومن دخل في صلحهم من الروم والنوبة فله مثل ما لهم وعليه مثل ما عليهم؛ ومن أبى [منهم «٣» ] واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه أو يخرج من سلطاننا؛ عليهم